وإنّما قيّد قوله : «فإذن لا يرتسم فيما ينقسم» بالوضع ، احترازا من انقسام المحلّ لا بالوضع فإنّه لا يقتضى انقسام الحال كما مرّ ، والجوهر العاقل يجوز أن ينقسم ذلك الانقسام كانقسام النفس إلى جنسها وفصلها.
واعلم أنّ ما ليس بمنقسم بالفعل فلا يحتمل أن ينقسم إلى مختلفات لأنّ اختلاف الأجزاء الموجودة في الكل يقتضى انقسام الكل بالفعل وقد فرض غير منقسم بالفعل هذا خلف ، لكنه يحتمل أن ينقسم إلى متشابهات وإن لم يكن إلّا في الوهم ، وذلك كالجسم الذي هو شخص إلى أجزاء غير متناهية بالقوّة ، أو كالجسم الذى هو جنس إلى أنواع غير متناهية بالقوّة ، والمعنى المعقول إن كان كذلك فلا يمتنع أن يحلّ في جسم غير منقسم بالفعل ، وينقسم بانقسام ذلك الجسم إلى أجزائه أو إلى جزئياته فلذلك أردف الشيخ هذا الفصل بفصلين مشتملين على بيان هذين الاحتمالين وتحقيق الحق فيهما.
هذا تمام كلام المحقق الطوسي في شرح الفصل الأوّل من الفصول الثلاثة المذكورة في تقرير أصل البرهان. وقد أجاد وأفاد.
وأقول : قوله : «إلى هذين النوعين» أي إلى نوعى الحركة والسواد.
وقوله : «مع أنّ هذا الاحتمال في المعقولات غير ممكن» أي احتمال كون الشيء منقسما إلى أجزاء غير متناهية بالقوّة في المعقولات غير ممكن فلا يكون شيء منها كذلك.
وقوله : «ومحلّ المعقول الواحد هو محل سائر المعقولات على ما مرّ» يعنى أنّ وزان محلّ المعقولات هو وزان محلّ المحسوسات أي الحسّ المشترك؛ وكما أنّ القاضى بين الأشياء؛ المحسوسة لا بدّ من أن يحضره المقضى عليها جميعا كما مر البحث عنه في بيان إثبات الحس المشترك في الفصل التاسع من النمط الثالث من الإشارات ، كذلك القاضى بين الأمور المعقولة لا بدّ من أن يحضر المقضى عليهم جميعا فمحلّ معقول واحد هو محلّ سائر المعقولات وقد أثبت في الفصل السادس من النمط الثالث أنّ هذا الجوهر العاقل في الإنسان واحد. وهذا البيان في محل المحسوسات المتخالفة ،