وأقول : أنت بما قدّمنا حول الدليل من الشبهات والردّ عليها لا تحتاج إلى زيادة بيان في دفع اعتراض الكاتبى عليه. وكأنّ صاحب الأسفار في قوله المقدم ذكره : «وأما اعتراضات بعض المتأخرين على هذه الحجة فهي مدفوعة ...» ناظر إليه. وأنت تعلم أنّ تعبير الحلول في المقام مع أنّه غير جدير ، إن لم يكن على نعت السريان كان محل المعقولات شيئا وحدانيا وهو طرف نقطى؛ وإن كان على نعت السريان لزم منه انقسام الصورة المعقولة ، وقد علمت ما فيهما. ثمّ انّ اعتبار الأبوّة ونحوها من الإضافات من موضوعاتها ليس على سبيل حلولها في تلك الموضوعات فيقال في رجل مثلا هو أب وابن وعم وجدّ وخال ونحوها من العناوين انّ تلك الإضافات قد حلت فيه ، بل هو ممن يصح اعتبارها فيه بالإضافات العديدة والنسب الكثيرة يعتبر فيها العقل بضرب من الاعتبار.
واعترض أبو البركات البغدادى في المعتبر على الدليل المذكور بقوله :
وأمّا القائلة بالانقسام فالذى يمتنع منه الانقسام بالفعل الواقع بالتمييز والفصل والمباينة بالعبد المكانى وذلك لا يلزم في كل شيء يحلّ الأجسام.
وأمّا الانقسام الوهمى التقديرى الذي يلزم فلا يقدح في ذلك ولا يؤثر فيه ، وكثير من القوى لا تنقسم بانقسام الأجسام وهو الأكثرى من نفوس الحيوانات أي لا يختلفون في أنّها قوى جسمانية قوامها بالأبدان ، ولا ينقسم بانقسامها الذي بالفعل مع كونها متوزعة على البدن في أقطاره وأعضائه ، وينقسم في بعض الحيوان بانقسام أعضائه ويبقى كل جزء منها زمانا يتحرك به ويحيى ، والنفس الإنسانية أيضا يشعر الإنسان بها في كل انفعال وفعل من لذة وألم يكون في سائر أعضائه الحساسة ، ولا ينقسم بالفعل مع انقسام البدن فإنّ اليد المقطوعة لا حسّ لها ولا بها ، والجسم الذي يكون مستنيرا بشعاع الشمس إذا قسم بالفعل إلى أقسام وأبعد بينها لا ينقسم النور بانقسامه ، ولا يتحرك بحركته ، والشعاع والنور على رأيهم شيء جسمانى وعرض في الجسم الذي هو فيه فكذلك تصوّر من هذه الحجة؛ وعلى أنّ القول في القسمة وما ينقسم ولا ينقسم فيه كلام مكانه العلم الإلهي.