أمّا الأدلّة على تجرّد النفس الناطقة على الإطلاق فخمسة منها هي ما نأتي بها أوّلا من كتاب الفصل الآتي ذكره. ونعنى بذلك الإطلاق أنّ الدليل يثبت كونها جوهرا غير جسم فقط ، وأما أنّ ذلك الجوهر له درجات من التجرّد : التجرّد البرزخى ، والتجرّد العقليّ ، والتجرّد الذي فوق التجرّد العقلى؛ فعلى عهدة البراهين الأخرى التي سيأتي نقلها وبيانها.
وتلك الأدلّة الخمسة على التجرّد الإطلاقى ننقلها من كتاب الفصل بين الروح والنفس تأليف الفيلسوف قسطا بن لوقا ، حيث قال بعد إثبات كون النفس جوهرا ما هذا لفظه :
وإذ قد بيّنّا أنّ النفس جوهر ، فلنبيّن أنّ النفس لا جسم ، فنقول :
١. إنّ كل جسم كيفياته محسوسة ، وكيفيات النفس غير محسوسة ، فهي لا جسم.
وكيفيات النفس الفضائل والرذائل ، والفضائل والرذائل غير محسوسة ، فاذن النفس لا جسم.
٢. وأيضا فإنّ كل جسم لا يخلو أن يقع تحت الحواس إما كلّها وإما بعضها ، والنفس لا تقع تحت الحواس لا كلّها ولا بعضها ، فإذن النفس لا جسم.
٣. وأيضا كل جسم إمّا أن يكون متنفّسا أو غير متنفّس ، فإن كانت النفس جسما فهي إمّا متنفسة وإمّا غير متنفّسة؛ فلا يمكن أن تكون النفس غير متنفسة إن كانت جسما لأنه يقع محال ، وذلك أنّ النفس تكون لا نفس. وإن قلنا أنّها حيوان أي متنفسة رجع القول علينا في نفس النفس أجسم هي أم لا جسم؟ فيترقّى ذلك دائما بلا نهاية ، فإذن ليست النفس جسما.
٤. وأيضا إن كانت النفس جسما لطيفا فليس يخلو ذلك الجسم من أن يكون إمّا