تلك الصورة العقلية واتحادها بها عينا ووجودا فالتعقل أشمخ درجة من أن يتفوّه حوله القبول والانفعال والحلول والحال والمحل ونحوها. والمراد من الفعل في المقام هو مطلق اتصاف النفس بمدركاتها. فافهم.
ثمّ كون الجسم قابلا للانفعالات الغير المتناهية بالقوّة أمر ، وكون النفس حائزة للصور العلمية الغير المتناهية بالفعل إلى حد يصير وعاء لحقائق الكلمات النورية ويقرأ في شأنها (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) مثلا أمر آخر. والتفاوت بين الأمرين كالتفاوت بين الجسم والعقل كما أشرنا إليه آنفا.
قوله : «والنفوس الفلكية المنطبعة إلخ». التحقيق أنّ النفوس الفلكية كالنفوس الإنسانية لها مراتب أرفعها هي العاقلة وأنزلها هي المنطبعة. والمنطبعة وإن كانت بتبع الجسم أعنى البدن ينقسم ، ولكن النفس من حيث هي روح مدبرة للبدن غير منقسمة.
قوله : «فإنّ القوّة الخيالية مثلا ...». القوّة الخيالية كسائر القوى من شئون النفس. وليست الخيال من القوى الجسمانية ، بل هي مجرّدة بالبراهين القاطعة السالفة. ثمّ إنّ هذه القوّة التي جبلت للمحاكاة وتصوير المعانى على صور مناسبة لها ، لها فسحة عظيمة تتصوّر بالأشكال والأشباح والصور الكثيرة فوق الإحصاء دفعة واحدة. كما أنّ نمازج منها ترى في المنامات بالغة إلى ما شاء اللّه كثرة وكلها منتشأة من القوّة الخيالية المسخّرة تحت سيطرة النفس ، وأنّى للقوى الجسمانية هذه الفسحة العظيمة؟! كيف لا وقد بيّن أساطين المعارف الحقة في خواص النبوّة أنّ النبيّ يجب أن يكون قوّته المتخيّلة في كمال السعة والصفاء والقدرة كما أنّ عاقلته كذلك حتى يتعقل الحقائق الآلهية كما ، ويتمثل في خياله حقيقة الملك وصور المعانى على التفصيل الذي حرّرناه وبينّاه في شرح الفصلين الثالث والثلاثين والرابع والثلاثين من فصوص الفارابى من كتابنا نصوص الحكم (ص ١٨٨ ـ ٢٠٦ ، ط ١ ، ايران).
قوله : «وإن عنيتم به انّها تستحضر معقولات لا نهاية لها دفعة واحدة إلخ».
أقول : قد اغنانا ما تقدّم آنفا من التحقيق التام الذي أفاده المتأله السبزوارى في أنّ العاقلة تقوي على معقولات غير متناهية عن إيراد ما يرد عليه ، وإبرام ما هو الحقيق