مبينا لما في الشفاء من البرهان ، قال :
الحجة الثامنة؛ الصور الهندسية والعددية والحاصلة من تركيب ذوات الموجودات القابلة له على المناسبات غير متناهية في ذواتها ، والشيء الذي يعقل به الإنسان له قوّة أن يعقل أيّما واحد منها كان ، ومهما ازداد منها زاد في القوّة ، وليست الصورة التي من شأنها أن يعقلها بمفردة الذوات عن جملتها. فتبيّن أنّ قوّته غير متناهية ، إذا القوّة الغير المتناهية غير منتصفة ، وكل قوّة جسمانية منتصفة بتنصّف الجسم الذي هي فيه. فإذا محل الحكم جوهر غير جسماني؛ وذلك ما أردنا أن نبين. (ص ١٠ ، ط ١ ، حيدرآباد الدكن).
وكذلك حرّره بتحرير آخر يتضمن ذلك التمثيل أيضا مع أنّه أبسط ممّا في رسالة السعادة ، في رسالته الأخرى النفسية أهداها للأمير نوح الساماني ، وهي مبحث عن القوى النفسانيّة ، أو كتاب في النفس على سنة الاختصار ومقتضى طريقة المنطقيين. وهو البرهان الخامس فيها أيضا قال :
ومن البراهين على صحة هذه الدعوى أنّ من البيّن أن ليس شيء من القوى الجسمانية له قوّة على أفاعيل غير متناهية ، وذلك لأنّ قوّة نصف من ذلك الجسم لا محالة توجد أضعف من قوّة الجميع ، والأضعف أقل تقويا عليه من الأقوى ، وما قل من غير المتناهي فهو متناه ، فإذن قوّة كل واحد من النصفين متناهية ، فإذن مجموعها متناه ، إذ مجموع المتناهيين متناه ، وقد قيل إنّه غير متناه وهذا خلف.
فإذن الصحيح أنّ قوى الأجسام لا تقوى على أفاعيل غير متناهية. ثمّ القوة الناطقة تقوى على أفاعيل غير متناهية ، إذ الصّور الهندسية والعددية والحكميّة التي للقوّة النطقية أن تفعل فيها أفعالا ما غير متناهية؛ فإذن القوّة النطقيّة ليست بقائمة بالجسم ، فهي إذن قائمة بذاتها وجوهر بذاتها. ثمّ من البيّن أنّ فساد احد الجوهرين المجتمعين لا يقتضى فساد الثانى ، فإذن موت البدن لا يوجب موت النفس. وذلك ما أردنا أن نبيّن (ص ٧١ و ٧٢ ، ط مصر بتصحيح ادور فنديك. وص ١٧٥ من أربع رسائل نفسية للشيخ ، ط مصر ، بتصحيح الأهواني).