شيء من القوى الجسمانية إلّا بمشاركة الجسم. ولأجل كون الحواس وغيرها من القوى الجسمانية الوجود لا تدرك ذاتها ولا إدراكها لذاتها ولا إدراكها لآلتها فلو كانت النفس جسمانية لتعذر عليها ذلك وقد ثبت أنّها ليس كذلك فثبت أنّها غير جرمية.
أقول : هذا البرهان دال على تجرّد النفس عن البدن سواء كانت قوّة عاقلة بالفعل ، أو كانت متخيلة؛ إذ للخيال أيضا أن يتخيّل ذاتها وآلتها ويفعل فعلها من غير مشاركة البدن؛ ولهذا يتخيل أشياء خارجة عن هذا العالم الطبيعى ممّا لا يكون بينها وبينه علاقة وضعية بالقرب والبعد. فعلم أنّ فعلها ليس بآلة بدنية وإن كان محتاجا إلى البدن في الابتداء كحاجة العقل إليه أيضا من جهة الإعداد وتخصيص الاستعداد.
واعترض صاحب المباحث على مقدمة هذا البرهان بوجهين : الأوّل بأنّ الصور والأعراض محتاجة إلى محالّها ، وليس احتياجها إلى محالّها إلّا بمجرّد ذواتها ، ثمّ لا يلزم من استقلالها بهذا الحكم استغناؤها في ذاتها عن تلك المحال.
الثانى أنّ جميع الآثار الصادرة من الأجسام مباديها قوى وأعراض في تلك الأجسام ، وليس لمحال تلك القوى مدخل في اقتضائها تلك الآثار لأنّ محالّها أجسام ، والأجسام بما هي أجسام يستحيل أن يكون لها أثر في هذه الأحكام المخصوصة فعلمنا أنّ المستقل في اقتضاء تلك الأحكام هي تلك الأعراض والقوى الحالّة وحدها ، ثمّ لا يلزم من استقلالها وانفرادها في تلك الأحكام استغناؤها عن محالّها في الوجود.
أقول في الجواب : أما عن الأوّل فإنّ الاحتياج والإمكان وما أشبهها أمور عقلية وأحكام ذهنية تعرض الماهيات بحسب ملاحظة الذهن إيّاها من حيث هي هى.
والكلام في الأفعال والأحكام الخارجية والصور الحالّة والأعراض ، حاجتها إلى المواد والموضوعات ليست أمرا زائدا على وجوداتها ، ووجوداتها متقوّمة بالمحلّ ، فكيف تكون مستغنية عن المحل بنفسه ما به الحاجة إلى المحلّ أعنى الوجود الحلولى؟
وأمّا عن الثاني فإنّا لا نسلّم أنّ محالّ القوى والأعراض لا دخل لها في التأثير ، كيف والتأثير يحتاج إلى وضع خاصّ ونسبته معينة للمؤثر بالقياس إلى المتأثر ، والوضع