الآلة فتكون في ذاتها مستغنية عن الآلة أيضا. فقوله رحمه اللّه : «ولاستلزام استغناء العارض» عنى بالعارض هنا التعقل؛ وقوله : «استغناء المعروض» عنى به النفس التي يعرض لها التعقل. انتهى ما في الكشف. ولا يخفى عليك أنّ تقرير الحجة متنا وشرحا تام ، إلّا أنّ التعبير بالعارض والمعروض فقد دريت ما فيه مرارا.
وأمّا بيان الحجة على ما في الحكمة المنظومة للمتأله السبزوارى فقال :
كذا الغنى فعلا كدرك الذات |
|
ودرك درك الذات والآلات |
ثمّ شرحه بقوله :
والخامس قولنا : كذا الغنى عن المادة للنفس فعلا أي في الجملة وفي بعض الأفعال.
انّما قلنا في الجملة وفي بعض الأفعال إذ من المتقررات أنّ النفس جوهر مفارق في ذاته دون فعله عن المادة فهو محتاج في فعله إليها؛ وفي الموضعين تحقق الطبيعة بتحقق فرد ما وانتفائها بانتفاء جميع الأفراد. كدرك الذات أي درك النفس ذاتها ، ودرك درك الذات ، ودرك الآلات كالقوى. بيانه أنّ النفس غنية في فعلها عن المحلّ ، وكل غنى في فعله عن المحل غنى في ذاته. أمّا الصغرى فكما في الأمثلة المذكورة.
إن قلت : كيف يكون إدراك النفس ذاتها أو إدراك إدراكها فعلها وهما حضوريان ليسا زائدين على ذاتها والشيء لا يكون فعلا لنفسه؟ قلت : قد اقتفينا في ذلك أثر صدر المتألهين قدّس سرّه والوجه أنّ ذاتها وإدراكها لذاتها وإنّ اتّحدا مصداقا إلّا أنّهما اختلفا مفهوما؛ وهذا القدر كاف إذ الأحكام تختلف باختلاف العنوانات ، كيف والعلية على ما هو التحقيق هي التشؤن والوجود سابق على كل التعيّنات. وأمّا الكبرى فلأنّه لو احتاج في ذاته لاحتاج في فعله إذ الشيء ما لم يوجد لم يوجد. انتهى بيانه الشريف.
قوله : «فكما في الأمثلة المذكورة» يعنى بها إدراك النفس ذاتها ، وإدراك إدراكها ، وإدراكها آلاتها. وقد أفاد في أثناء التقرير نكتة سامية في معنى من معانى «من عرف نفسه فقد عرف ربه». وذلك لأنّ قوى النفس بل بدنها من شئونها ، فهي عالية في دنوّها ودانية في علوها فأين التكثر والتعدّد حتى يقال : إنّ ذلك فاعل وإن هذا فعله؟ فأجاب بأنّ الوجه أنّ ذاتها إلخ ، فمن عرف نفسه عرف سر قوله (سبحانه) : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ