التعين أنّما يتصور على وجهين إمّا على سبيل التقابل له ، أو على سبيل الإحاطة ، لا يخلو أمر الامتياز عنهما أصلا. وذلك لأنّ ما به يمتاز الشيء عمّا يغايره إمّا أن يكون ثبوت صفة للمتميز وثبوت مقابلها لما يمتاز عنه كالمقابلات؛ وإمّا أن يكون ثبوت صفة للمتميز وعدم ثبوتها للآخر كتميز الكل من حيث إنّه كل ، والعام من حيث إنّه عام بالنسبة إلى أجزائه وجزئياته. وأمارات التميز في القسم الأوّل منه لا بدّ وأن يكون خارجا عن المتعيّن ضرورة أنّها نسب أو مبادى نسب من الأمور المتقابلة؛ وفي الثانى لا يمكن أن يكون أمرا زائدا على المتعيّن ضرورة أنّه بعد مه ينتفى الحقيقة المتعينة ، وبه صارت الحقيقة هي هى إذ حقيقة الكل أنّما تحققت كليته باعتبار إحاطته الأجزاء وبها يمتاز عن أجزائه. وكذلك العام أنّما يتحقق عمومه باعتبار إحاطته الخصوصيات والجزئيات وجمعها تلك الخصوصيات وبها يمتاز عن خواصه ولا شك انّ الهيأة المجموعية والصور الإحاطيّة التي للأشياء ليس لها حقيقة وراء اجتماع تلك الخصوصيات وأحدية جمعها ، فحينئذ ، نقول : انّ التعين الواجبى أنّما هو من هذا القبيل إذ ليس في مقابلته تعالى شيء ولا هو في مقابلة شيء. وإن شئت زيادة تحقيق لهذا المعنى أو إقامة بيّنة لهذه الدعوى فتأمل في قوله تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ، حيث سرى النفى فيه متوجها إلى النوعين الوجوديّين من أنواع المتقابلات وأصنافها. وتأمّل في هذه النكتة فإنّها منطوية على معانى جمّة كثيرة الجدوى. (ص ٥٤ ـ ٥٥ ، ط ١ ، ايران).
هذا ما عندنا من الفحص والتحقيق حول الحجة الثالثة من سابع الإشارات المستنبطة من سادس نفس الشفاء. بقي الكلام في الحجة الرابعة من سابع الإشارات المستنبطة من البرهان السادس من نفس الشفاء أيضا فنقول :
وكذلك الحجة الرابعة من خامس سابع الإشارات على تجرّد النفس في ذاتها وكمالاتها عن المادة وما يتبعها ، مستخرجة من البرهان السادس المذكور من الشفاء ومؤوّلة إليه ، ثمّ تداولتها الأيادى فأتى بها رجال العلم في صحفهم الحكمية بتحريرات متقاربة بعضها من بعض ، كلّها تقرير تلك الحجة المدوّنة في الإشارات. ثمّ بعضهم