وقوله : «مع كون الجميع بدنية» بيان لوجه شركة القوى. وقوله : «لأنّ القياس المذكور يأباه» وذلك لأنّ القياس كلى وكان ناطقا بأنّ كل قوّة بدنية يكلها كثرة الأفاعيل وتكررها. وقوله : «بل يعنون بهما شدة تأثيره في الحاسة وضعفه» فربما كان إدراك الصغير كالبقّة مثلا أشدّ تأثيرا للمدركة وذلك لصغره ودقته ولطافته دون الكبير. ولكن جوابه غير تام والتمام مبتن على تجرّد الخيال كما سيأتي تحقيقه من صاحب الأسفار وتنقيب البحث عن ذلك منّا.
اعلم انّ الفخر في المباحث بعد تقرير البرهان المذكور جرى الحق على لسانه فاعترض على البرهان بأنّ الخيال أيضا كالقوّة العقلية لا تضعف بكثرة الأفاعيل وتكرّرها بل تقوى على القوي بعد الضعيف ، فبهذا البرهان يجب أن يكون القوّة الخيالية غير مادية مع أنّهم قائلون بأنّها جسمانية. ثمّ انّ صاحب الأسفار بعد تقرير البرهان صرّح بأنّه يدل أيضا على كون القوّة الخيالية غير جسمانية وله في المقام بعض إشارات يريد بها صاحب المباحث في اعتراضه المذكور من غير أن يصرّح باسمه وكتابه ، فالحقيق أن نذكر ما في المباحث أوّلا ثمّ ما في الأسفار وما لنا حول كلماتهما من البيان :
قال صاحب المباحث :
فإن قيل القوّة الخيالية جسمانية ثمّ انّها تقوى على تخيل الأشياء العظيمة مع تخيلها للأشياء الحقيرة مثلا إذا تخيّلنا صورة شعلة يمكننا أن نتخيل مع ذلك صورة الشمس والقمر والسماء وغيرها فبطل قولكم إنّ القوى الجسمانية لا تقوى على الأفعال الضعيفة عند صدور الأفعال القوية عنها.
فنقول : إنّا إذا ادّعينا أنّ الفعل الجسمانى القوى يمنع من الفعل الجسمانى الضعيف وهاهنا إذا تخيلنا الشمس والقمر فالمدرك قوى. أما ربما لا يكون إدراكنا لهما قويا فلا جرم لا يمنع من تخيل الأشياء الضعيفة. وأما إذا قوى تخيلنا لهما بحيث صرنا مستغرقين في ذلك التخيّل امتنع علينا والحال هذه تخيل الأشياء الحقيرة. وأما القوة العقلية فليست كذلك ، فإنّا إذا عقلنا الشيء العظيم أمكننا في ذلك الوقت تعقل الشيء الحقير.