ولقائل أن يقول : كما أنا متى استغرقنا في تخيل شيء عظيم انقطعنا عن تخيل الأشياء الصغيرة ، كذلك متى استغرقنا في تعقل شيء عظيم انقطعنا عن تعقل غيره. والدليل عليه أن من استغرق في جلال اللّه جلّت عظمته امتنع عليه في تلك الحالة أن يشتغل بسائر المعقولات. انتهى كلام الفخر في المقام (ج ٢ ، ص ٣٧٢ ، ط ١).
أقول : قوله : «فإن قيل القوّة الخيالية جسمانية» اعتراض الفخر مبتن على كون القوّة الخيالية جسمانية ، وقد بيّنا في العين الثانية والعشرين من كتابنا العيون أنّ المشاء كانوا قائلين بأنّها مادية ، والشيخ كان مصرا في ذلك ولكنّه استبصر بالأخرة فحكم بأنّ قوّة الخيال والصور الخيالية مجرّدة.
وجملة الأمر أنّ صاحب المباحث بنى اعتراضه أوّلا على جسمانيّة قوة الخيال ونطق بالصواب ، لكنه تصدّى لجوابه بأنّ المدرك بالفتح إذا كان قويّا كالشمس والقمر مثلا لا يوجب أن يكون إدراكهما أيضا قويا ، فأمكن أن يتخيل الإنسان شيئا قويا ولا يكون إدراكه التخيّلى قويا فلا جرم لا يمنع من تخيل الأشياء الضعيفة. أمّا إذا كان ذلك الإدراك التخيلى قويا امتنع بعده تخيل الأشياء الحقيرة ، بخلاف القوّة العاقلة. ثمّ اضطرب الفخر بما أشكل عليه من قوله : «ولقائل أن يقول كما أنا متى إلخ». فعليك بما في الأسفار في المقام حيث قال :
وهذا البرهان أيضا يدل على كون القوّة الخيالية غير جسمانية فانّها تقوى على تخيّل الأشياء العظيمة مع تخيّلها للأشياء الحقيرة. مثلا يمكنها أن تتخيّل فلك الأفلاك مع الخردلة ، وأن تتخيّل ضوء الشمس وحرارة النار مع ضوء الشرارة وحرارة الهواء المعتدلة ، وأن تتخيّل صوت الرعد مع الهمس. وهذا مما أشكل الأمر على من لم يتفطّن بتجرّد الخيال عن الموادّ المستحيلة الكائنة الفاسدة فجعل يتكلف في دفع الإشكال عن نفسه بأنّ قوّة الإدراك غير قوّة المدرك فالشمس والقمر والسماء مدركات قوية ونحن إذا تخيّلناها فإدراكنا لها لا يلزم أن يكون قويا ، ولأجل ذلك لا يمنع إدراكنا لها عن إدراك المدركات الضعيفة؛ وأمّا إذا قوى تخيلنا لها بحيث صرنا مستغرقين في ذلك التخيل امتنع علينا والحال هذه تخيل الشيء الحقير.