أقول : الإدراك لا يخلو إمّا أن يكون هو الصورة الحاصلة من الشيء ، أو الإضافة التي بين المدرك والمدرك كما هو مذهب هذا القائل ، فعلى الأوّل لا معنى لقوّة الإدراك وضعفه إلّا قوّة المدرك وضعفه لأنّهما أمر واحد ، لأنّ المدرك في الحقيقة هو الصورة لا الأمر الخارجى الذي ربما لا يوجد في الخارج عند وجود الصورة. ثمّ لا يخفى أنّ صورة السماء التي في الخيال أقوى من صورة الخردلة فيه.
وأمّا على الثانى فالإضافة من الأمور التي لا توصف بقوّة ولا ضعف ولا عظم ولا حقارة إلّا باعتبار ما أضيف إليه. ثمّ قوله وأمّا إذا قوى تخيلنا امتنع علينا والحال هذه تخيّل الشيء الحقير ، يناقض ما ذكره حيث وصف الشيء المتخيل بالحقارة دون الخيال. وأيضا الاستغراق في إدراك الشيء في الحقيقة يرجع إلى ضعف الإدراك بالنسبة إلى وجود المدرك وغلبة وجود المدرك واستيلائه على القوّة الإدراكية فيقهرها عن الإحاطة به والاكتناه ، فليس الاستغراق في إدراك الشيء عبارة عن تسلط الإدراك على المدرك بل تسلط المدرك على الإدراك. وأيضا ما ذكره مشترك بين الإدراك العقلى والإدراك الخيالي فإنّا متى استغرقنا في تعقل شيء عظيم قوىّ الوجود عالى المرتبة رفيع السمك انقطعنا عن تعقل غيره. ومن استغرق في جلال اللّه وعظمته امتنع عليه الالتفات إلى ذاته فضلا عن تعقل معقولات أخرى. انتهى كلام صاحب الأسفار في المقام. (ج ٤ ، ص ٧٤ ، ط ١).
أقول في بيان بعض كلماته المنيفة : قوله : «وهذا مما أشكل الأمر على من لم يتفطّن» ناظر إلى كلام الفخر في المباحث حيث قال : «فإن قيل القوّة الخيالية جسمانية ثمّ إنّها تقوى على تخيل الأشياء العظيمة إلخ».
وقوله : «بأنّ قوّة الإدراك غير قوة المدرك» القوّة بمعناها اللغوى ، وإضافتها إلى الإدراك بمعنى كون الإدراك قويّا. وكذا قوله غير قوّة المدرك. والمدرك على صيغة اسم المفعول.
وقوله : «إلّا باعتبار ما أضيف إليه» يعنى باعتبار ما أضيفت الإضافة إليه أي أسندت الإضافة إليه ، يعنى أنّ الإضافة لا توصف بالذات بتلك الأوصاف من القوّة والضعف