استغرق في جلال اللّه ـ إلى آخره» بيان لجريانه في الإدراك العقلى. فالدليل يثبت تجرّد الخيال أيضا تجرّدا برزخيا فتبصّر.
وصاحب المعتبر أبو البركات بعد تقرير الحجة اعترض عليها بما تسمعه قال : أمّا الذين قالوا انّ النفس من الجواهر التي وجودها لا في موضوع فاحتجوا على ذلك بأن قالوا : إنّ القوى الجسمانية المدركة في الحواس الظاهرة والباطنة بآلاتها الجسمانية تستضر أفعالها بما ينال آلاتها من الضرر فتضعف أو تتشوّش أو تبطل وليس كذلك النفس الناطقة.
أقول : هذا هو تقرير أبى البركات أصل الحجة وهي الحجة الأولى في المعتبر على تجرّد النفس الناطقة. ثمّ تصدّى للاعتراض عليها بقوله :
أمّا الحجة الأولى القائلة بأنّ القوى الجسمانية إذا أصاب موضوعها الذي هو البدن آفة استضر فعلها وليس كذلك القوّة العقلية ، فنقول : في جوابه إنّ القوّة العقلية كذلك أيضا تستضر أفعالها بأمراض البدن كما يضعف الرأى والتفكر والروية في الأمراض البدنية. فإن قيل إنّ ذلك الضرر ليس فيها لكن في الآلة ، قيل : ومن لنا بذلك وما الذي يدل عليه أنّه كذلك في هذه القوّة دون غيرها إذا جمعها وعمّها مع باقى القوى ضرر الفعل بمرض البدن؟ فلم تدلّ هذه الحجة من حيث لم تميز ولم تفرق. فإن أعينت بغيرها من الحجج كانت الحجة غيرها. انتهى كلام صاحب المعتبر.
أقول : القياس المتقدم في تقرير هذه الحجة يأبى هذا الاعتراض رأسا ، وذلك لأنّ كبرى القياس في جانب القوى البدنية كلية دائمية؛ وأمّا صغرى القياس في جانب القوّة العقلية جزئية قد تستضر أفعالها بأمراض البدن فلو خالفتها وتخلفت عنها مرّة واحدة لكانت الحجة ناهضة بأنّها ليست من سنخ القوى البدنية ، والمكابر يكابر مقتضى عقله. وإنّما قلنا في صدر البحث عن هذا البرهان إنّ الحجة الأولى من المعتبر تؤول إليه ، لأنّ حجة المعتبر بظاهرها اعمّ شمولا منه وذلك لأنّها يشمل ما نال آلات القوى البدنية من الضرر كان من تكرّر أفاعيل تلك القوى أو من غيره كالأمراض الطارية عليها من جهة أخرى ولكن المآل واحد فلا ينبغى بهذا القدر من الفرق جعلهما حجتين منفردتين