فهي متفاوتة الحدوث حسب تفاوت الاستعداد فإذا استعملت الآلة الجسمانية في إدراك قوىّ أو فعل قوىّ فلا بدّ هناك من قوّة قوية فيفيض من المبدا القوّة القوية على تلك الآلة ، ثمّ إذا استعملت إثر ذلك الفعل في فعل آخر ضعيف يعسر ذلك على تلك القوّة لأنّها لا تناسبه وإنّما المناسب لهذا الفعل الضعيف قوّة ضعيفة ، والقوّة أنّما تحدث تدريجا لا دفعة كما علمت فيما سبق؛ ولأجل ذلك لا يمكن للقوّة القوية الفعل الضعيف كما لا يمكن للقوّة الضعيفة الفعل القوى ، ألا ترى أنّ القوّة المحركة التي في الحجر العظيم لا يمكن لها التحريك البطيء لذلك الحجر في هويّه ، ولا للحرارة الشديدة التسخين الضعيف لما يلاقيه. وأمّا القوى الغير الجسمانية فلكونها متساوية النسبة إلى جميع القوابل وغير متناهية القوّة فلا جرم يجوز أن يصدر منها القوىّ والضعيف من الأفعال بعضها عقيب بعض من جهة الأسباب المخصّصة ، فلأجل ذلك لا تضعف بكثرة الأفعال وتقوى على القوى بعد الضعيف وعلى الضعيف بعد القوى. فإذا تقررت هذه المقدمة فنقول : القوّة العاقلة لمّا كانت هكذا لأنّها تدرك المعقولات القوية والضعيفة بعضها عقيب بعض فهي ليست جسمانية كسائر القوى البدنية التي شأنها ما ذكرناه انتهى ما أفاد في تقرير المراد.
فأقول : النفس تقوى على الضعيف إثر القوى أي عقيبه ، كما أنّها تقوى على القوى إثر الضعيف ، ولا تكون القوى الجسمانية كذلك بل تضعف وتذبل وتنفذ إثر القوي والضعيف. وعبارات الحجة بعضها يناسب تقدم القويّ على الضعيف بأن يقال ولا تقوى على القويّ بعد الضعيف كما هو عبارة المباحث والأسفار. ولا يخفى أنّ النفس تقوى على الضعيف بالتجربة والتعليم والتمرّن والتداوم وغيرها ، بل يصحّ أن يقال إنّها تقوى على القوىّ بعد الضعف كما في المباحث وعبارات صدر ما في الأسفار من تقرير الحجة أيضا تناسب هذا الوجه ، وتقرير الفخر أظهر في ذلك. وبعض عبارات الحجة على ما في الأسفار يناسب تقدّم الضعيف على القوى بأن يقال ولا تقوى على الضعيف بعد القوى كما أنّ عبارة الكتاب أعنى الأسفار وهي قوله : «وأمّا عدم تمكنها من الفعل الضعيف إثر القوي» ناصّة على ذلك. ثمّ أنّ بعض عبارات الحجة في الأسفار