وكم له من نظير في مثل هذا التلوّن.
ولنرجع إلى البحث عن حول الحجة المذكورة في التجرّد البرزخى فنقول : إنّ صدر المتألهين بعد نقل اعتراض الفخر على الحجة وعدّه قويا بلا جواب ، أجابه على مبناه القويم الرصين في الحكمة المتعالية بقوله :
أقول في جوابه إنّ حضور الصورة العلمية للشيء العالم لا يلزم أن يكون بالحلول فيه بل بأحد أنحاء ثلاثة : إمّا بالعينية كما في علم النفس بذاتها ، أو بالحلول فيه كما في علم النفس بصفاتها وكما هو المشهور في حصول المعقولات للجوهر العاقل ، أو بالمعلولية كما في علم الله بالممكنات بصورها المفصّلة فعلم النفس بالصور الخيالية من قبيل القسم الثالث.
ثمّ أفاد قدّس سرّه بقوله :
وبهذا يندفع إشكالات الوجود الذهنى من لزوم كون النفس حارة باردة مستديرة مربعة وغير ذلك ، فإنّهم ذكروا الإشكال بأنّ النفس إذا تصوّرت الكروية فإن وجدت الكروية فيها لزم أن تصير النفس كروية لأنّه لا فرق في نظر العقل بين أن يقال إنّ هذا الشيء كرة ، وبين أن يقال فيه صورة الكرة.
ووجه الاندفاع أن تمثل صورة الكرة وغيرها للنفس كتمثل الأشياء التي شاهدنا في المرآة فإنّ تمثل تلك الصور المشاهدة لأجل المرآة ليس بانطباعها فيه ، ولا بوجودها في الهواء ، وليست هي عين الصورة المادية لأنّا قد برهنّا على أنّ الصور المادية ليس من شأنها أن تكون مدركة لا بالفعل ولا بالقوة فهي إذن صور معلقة غير منطبعة لا في النفس ولا في شيء آخر من المواد الخارجيّة. انتهى.
أقول : قد أطلق الصور المعلّقة هاهنا على الصور المثالية البرزخية المتصلة ، وكثيرا تطلق على الصور المثالية البرزخية المنفصلة. والمعلّقة في قبال الصور الكلية النورية بالمثل الإلهية السائرة على الألسنة بالمثل الأفلاطونية لأنّ افلاطون الإلهي كان شديد العناية بإثباتها والحق معه ، كما استوفينا البحث عن المثل الإلهية والمثل المعلقة في رسالتنا المصنفة في المثل.