وهم ورجم :
ثمّ اعلم أنّ دأب صدر المتألهين في الأسفار في كل مسألة حكمية هو أنّه يأتى أولا بأقوال الحكماء فيها وعلى وتيرتهم يأخذ في البحث عنها ، ثمّ يأتى برأيه الشريف السامى في أثناء المباحث وخلالها وتضاعيفها وهو العمدة في مصنفاتها النورية ، سيما في أمّ الكتاب من مؤلفاته أعنى به الحكمة المتعالية المشتهرة بـ الأسفار. ولا يخفى على رجل البحث والتنقيب وفحل التدقيق والتحقيق أنّ الغرض الأهم من تصنيف الكتاب هو الإتيان بأمر جديد وتأسيس أصل قويم فيه إن كان صاحب الكتاب حريا بذلك وإلّا فأيّ فائدة في نقل آراء وأقوال من أوراق إلى أوراق أخرى؟
وصاحب الأسفار قدّس سرّه قد يذكر مصدر الأخذ وقائل الرأى وقد يترك لأنّ ما هو الأهم عنده إيقاظ الطالب وإرشاده إلى ما هو الحق المحقق في ذلك وما أتى به من الحقائق لا توجد في الصحف الحكمية الرائجة إلّا في الزبر العرفانية الأصلية كالفتوحات المكّية وفصوص الحكم ومصباح الأنس على نحو الإشارات والواردات من غير إقامة البرهان عليه وكانوا يقولون إنّ هذه الواردات فوق طور العقل وهو صرّح في الأسفار بأنّ ما كان عندهم فوق طور العقل فقد أقمنا البراهين العقلية عليها.
وقد أفاد في طريقته المثلى هذه أنّ البرهان لا يخالف الوجدان والشهود والعرفان ، كما أفاد في قوله الآخر أنّ البرهان والعرفان لا يخالفان القرآن حيث قال في أوّل الفصل الثانى من الباب السادس من نفس الأسفار في مسألة تجرّد النفس :
إنّ الشرع والعقل متطابقان في هذه المسألة كما في سائر الحكميات ، وحاشى الشريعة الحقة الآلهية أن تكون أحكامها مصادمة للمعارف اليقينية الضرورية ، وتبّا لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنّة (ج ٤ ، ط ١ ، ص ٧٥).
على أنّ صاحب الرأى إذا كان ممن يليق أن يصرّح باسمه يذكره وتأليفه مع تبجيل وتجليل كما هو الظاهر على المتدرب في الأسفار. مثلا في الفصل الخامس من الفن الخامس من الجواهر والأعراض في البحث عن الحركة في الجوهر قال :