الشاب ، ثمّ سأل عن الأمر الثانى بأنّه كيف يكون كذلك مع أنّ القوّة الخيالية عندكم جسمانية؟ فأجاب عن الثانى بقوله : انّ ذلك لشيئين إلخ ، وأمّا الأمر الأوّل فكأنه سلم أنه كذلك. ولا يخفى عليك أنّ قوله : «ثمّ انّه ليس يتصرف فيها بالخيال والقوى الوهمية فقط ...» ليس جوابا عن الأمر الأوّل. وأنت بما أسلفنا دريت أنّ الخيال مجرّد أيضا فالكلام في العاقلة. وانّ الأمر الأوّل في السؤال وهم وافتراء ، بل الصواب هو في خلاف ذلك.
قوله : «فإن قيل لم لا يجوز إلخ». الدربة هي ملكة تكسب من تمرّن العمل ، فما يستفاد من استعمال العقل ملكات علمية وإطلاق الآلة عليها أنّما هو على المجاز وضرب من التوسع في التعبير ، والبحث في الآلات الجسدية وفتورها. وتلك الملكات تكسب النفس سعة نورية وجودية على ما تحقق بالبراهين القاطعة على اتحاد العاقل بمعقولاته ، والتجارب لقاح العقول.
قوله : «وليس يمكن أن يقال هذا في باب المعقولات ...». بل ذلك في باب المعقولات أشد فإنّ النفس الفسيحة بالملكات النورية العلمية كان تصرفها في قواها مطلقا أقوى وآكد وإن كانت محال بعض القوى من حيث كونها مادية واهنة مستعصية.
وعمدة النظر في البرهان هي تجرّد النفس الناطقة الإنسانية من حيث بقاء فعل القوّة العاقلة مع فتور آلاتها الجسمانية ، والحجة قول فصل على ذلك وأمثال تلك الوساوس حوار لفظية لا اعتداد بها. ومن تلك الوساوس اعتراض أبى البركات في المعتبر على الحجة حيث قال معترضا بعد تقريرها بما تقدم ما هذا لفظه :
وأمّا الحجّة القائلة بضعف القوى البدنية وقوّة العقل في الشيخوخة ، فجوابه أنّ تسليم الدعوى لا يثبت الغرض المطلوب فإنّ لكل قوّة مزاجا يوافقها يقوى به فعلها فلا عجب أن تقوى من البدن قوّة مع ضعف أخرى كما يقوى السمع والحفظ في الأعمى ، وتضعف الشهوة بقوّة الغضب ، والغضب بالشهوة ، فلعلّ المزاج الشيخوخى موافق لهذه القوّة أكثر من موافقة غيره ، ولعلّ الرياضة بالتجارب والتعاليم الحاصلة في طول العمر تجتمع لها ويتبع ضعفها فيما بعد مع تزايد ضعف البدن وقواه بآخرة