وعند الموت تضعف القوى بأسرها وهذه في جملتها فيشتبه الأمر ولا تفيد الحجة سوى أنّ هذه غير هذه وكل واحد منها كذلك هي غير الباقية ولا يحصل بالجسمانية وغير الجسمانية من ذلك تصديق في واحدة دون الأخرى. انتهى كلامه.
أقول : لا يخفى عليك أنّ كلام صاحب المعتبر غير معتبر فإنّ قوله : «فلا عجب أن تقوى من البدن قوّة مع ضعف أخرى» لا ينافي فتورها وضعفها عند الشيخوخة وإنكار عروض الذبول والنقص على القوى البدنية عندها يعدّ من إنكار البديهيات. ولو كان اقتضاء المزاج الشيخوخى ما قال لوجب أن يوافق كل مزاج شيخوخى كذلك ، ووجب أن يوافق إدراك المعقولات أكثر من مزاج غيره وهو كما ترى.
وأمّا ما تمسك بالرياضة على اجتماع العلوم الكثيرة فغير ما نحن فيه رأسا وذلك لأنّ إنسانا إذا فرض قليل البضاعة في المعقولات جدا ، وكان عند الشيخوخة عاقلا لمعنى واحد كلّى فقط هو كان مكسوبه منذ زمان شبابه ، أفادت الحجة تجرّد النفس العاقلة.
ثمّ إنّ اعتراض صاحب المعتبر ، واعتراض تلميذه صاحب المباحث وشرح الإشارات على الحجة ـ كسائر وساوسهما على العلوم العقلية ـ متقاربان ، وقد أورد التلميذ في الشرح هذا الاعتراض عليها أيضا ، وسترى حسم مادّته عن المحقق الطوسى من شرحه على الإشارات. وينبغى أن يعدّ أمثال أبى البركات الطبيب والفخر الرازى الخطيب والمتكلم المنشى الغزالى صاحب التهافت من المتفلسفة لا من الفلاسفة الحكماء ، وتجوال الفكر حول عباراتهم كثيرا يحاسب من تضييع العمر كما ضيّعنا ، إلّا أن الأمر خطير ولعلّ عظم الخطر في ذلك يجبره.
بقي في المقام نقل كلام الشيخ في الفصل الثانى من النمط السابع من الإشارات ، وشرح المحقق الطوسى عليه في تقرير الحجة ، وبعض الإشارات منّا حولها ، فهي ما يلى :
قال الشيخ :
تبصرة : إذا كانت النفس الناطقة قد استفادت ملكة الاتصال بالعقل الفعّال لم يضرّها فقدان الآلات لأنّها تعقل بذاتها كما علمت لا بآلتها. ولو عقلت بآلتها لكان لا يعرض للآلة كلال البتّة إلّا ويعرض للقوّة كلال ، كما يعرض لا محالة لقوى الحس والحركة ،