عن إدراك الشيء الحاضر أمامه أنّما يكون في نسبته إلى العمى أكثر منها في نسبته إلى النوم. وأمّا كون هذا البحث أوضح من غيره فلأنّه يفيد استبصار العاقل لذاته بذاته ، وما عداه يفيد استبصاره بغيره.
فقوله : «إذا كانت النفس الناطقة قد استفادت ملكة الاتصال بالعقل الفعال لم يضرّها فقدان الآلات» تكرار لما سلف في الفصل المتقدم مع مزيد فائدة وهي أنّ فقدان الآلات بعد حصول ملكة الاتصال للنفس بالعقل الفعال لا يضرّها في بقائها في نفسها ، ولا في بقائها على كمالاتها الذاتية المستفادة من العقل الفعّال ، فإنّ الفاعل والقابل لها موجودان معا عند فقدان الآلات ، والآلات المفقودة ليست بآلات لها بل لغيرها.
وقوله : «لأنّها تعقل بذاتها كما علمت» إشارة إلى ما مرّ في النمط الثالث من بيان كون النفس عاقلة بذاتها لا بالآلات البدنية. ثمّ أنّه أراد المبالغة في إيضاح ذلك ليتضح الفرق بين الكمالات الذاتية الباقية مع النفس والكمالات الذاتية الزائلة عنها بعد المفارقة فذكر على ذلك أربع حجج منها واحدة في هذا الفصل. وهي استثنائية متصلة ، مقدّمها قوله : «ولو عقلت بآلتها» وتاليها متصلة كليّة موجبة هي قوله : «لكان لا يعرض للآلة كلال إلّا ويعرض للقوّة كلال» وصورتها هكذا : لو كان تعقل النفس بآلة بدنية لكان كلّما يعرض لتلك الآلات كلال يعرض لها في تعقّلها كلال. وذلك واضح فإنّ اختلال الشرط يقتضى اختلال مشروطه.
وقوله : «كما يعرض لا محالة لقوى الحس والحركة» استشهاد بالأفعال التي تصدر عنها بالآلات البدنية وتختل باختلالها. وفائدة هذا الاستشهاد أنّ جودة الفاعلية قد تكون بسبب التمرّن الحاصل للفاعل بعد صدور الفعل عنه دفعات كثيرة ، وقد تكون بسبب التجربة الحاصلة عند استحضار صور أفعال مختلفة صدرت عنه ، وقد تكون بسبب القوّة التي بها يكون اقتداره على الفعل أتمّ اقتدار. والإنسان في سنّ الانحطاط يكون أجود تعقلا منه في سنّ النمو بالوجوه الثلاثة جميعا ، ويكون أجود إحساسا بالوجهين الأولين أعنى بسبب التمرّن والتجارب المقتضية لاستثبات المحسوسات دون الوجه الأخير فإنّه لا يكون أحدّ سمعا ولا بصرا. والمراد هاهنا الفرق بين