بما نتلوها من كلماتهم ، وما نتبعها من زيادة استبصار في ذلك : قال الشيخ في ذيل الفصل المذكور من الشفاء ما هذا لفظه :
وأمّا الذي يتوهم من أنّ النفس إذا كانت تنسى معقولاتها ولا تفعل فعلها مع مرض البدن ، وعند الشيخوخة فذلك لها بسبب أنّ فعلها لا يتم إلّا بالبدن فظنّ غير ضروري ولا حقّ وذلك أنّه قد يمكن أن يجتمع الأمران جميعا فتكون النفس لها فعل بذاتها إذا لم يعق عائق ولم يصرف عنه صارف ، وأنّها أيضا قد تترك فعلها الخاص مع حال يعرض للبدن فلا تفعل حينئذ فعلها وتصرف عنه ، ويستمرّ القولان من غير تناقض وإذا كان كذلك لم يكن إلى هذا الاعتراض التفات.
ولكنّا نقول : إنّ جوهر النفس له فعلان : فعل له بالقياس إلى البدن وهو السياسة ، وفعل له بالقياس إلى ذاته وإلى مباديه وهو الإدراك بالعقل. وهما متعاندان متمانعان فإنّه إذا اشتغل بأحدهما انصرف عن الآخر ويصعب عليه الجمع بين الأمرين.
وشواغله من جهة البدن الإحساس والتخيّل والشهوات والغضب والخوف والغم والفرح والوجع.
وأنت تعلم هذا بأنّك إذا أخذت تفكر في معقول تعطّل عليك كلّ شيء من هذه إلّا أن تغلب هي النفس وتقسرها رادّة إيّاها إلى جهتها. وأنت تعلم أنّ الحس يمنع النفس عن التعقل فإنّ النفس إذا أكبّت على المحسوس شغلت عن المعقول من غير أن يكون أصاب آلة العقل أو ذاتها آفة بوجه. وتعلم أنّ السبب في ذلك هو اشتغال النفس بفعل دون فعل ، فكذلك الحال والسبب إذا عرض إن تعطّلت أفعال العقل عند المرض.
ولو كانت الملكة العقلية المكتسبة قد بطلت وفسدت لأجل الآلة لكان رجوع الآلة إلى حالها يحوج إلى اكتساب من الرأس (من رأس ـ خ ل) وليس الأمر كذلك فإنّه قد تعود النفس إلى ملكتها وهيأتها عاقلة بجميع ما عقلته بحالها إذا عاد البدن إلى سلامته ، فقد كان إذن ما كسبته موجودا معها بنوع ما إلّا أنّها كانت مشغولة عنه.
وليس اختلاف جهتى فعل النفس فقط يوجب في أفعالها التمانع ، بل تكثر أفعال جهة واحدة قد يوجب ذلك بعينه فإنّ الخوف يغفل عن الوجع ، والشهوة تصدّ عن الغضب ،