(ص ١١ ط حيدرآباد الدكن).
وعلى هذا السياق قال صاحب المعتبر : «أما الذين قالوا إنها من الجواهر التي وجودها لا في موضوع لكنها ليست بجسم فاحتجّوا على ذلك ... وبأن العلم المعقول لو حلّ الأجسام والقوى الجسمانية لم يعد منه ما يزول بالنسيان إلا بسبب محصّل وارد من خارج لأنه يكون بعد انمحاء الصورة المنتقشة مثله قبل انتقاشها بالنسبة اليها في كونها معدومة فيه ولا تحصل له ثانيا إلا بسبب موجب كما حصلت له أولا ، والقوة التي تنسى وتذكر من غير أن تستعيد ذلك من سبب من خارج ، والصور المعلومة تكون حاصلة عندها مع اشتغالها بغيرها عن ذكرها فلا تنمحى عنها الأوّل بالثوانى لأنها روحانية بل تكون فيها بنوع قوة لا قوة الصبى على الكتابة بل كقوة العاقل على الكتابة حيث لا يكتب ويكتب متى أراد ، والقوى الجسمانية لا يمكن فيها تزاحم الصور المختلفة لا في الإدراك ولا في الحفظ ، ألا ترى أن الحواس لا يمكن أن تستحفظ في ذاتها صورة إذا أقبلت على غيرها لأن الجسم ما لم يخل عن إحدى الصورتين لن تحله الأخرى فالقوة العاقلة غير جسمانية.» (ص ٣٥٨ ، ج ٢ ، ط حيدرآباد الدكن). ثمّ اعترض عليها بقوله :
«وأما القائلة بالحفظ والنسيان فعلى مذهب القائل لا تفيد في الاحتجاج فإن القوة الحافظة الذاكرة على مذهبه جسمانية وتلحظ وتعرض وتحفظ وتنسى فإن جعل للحفظ قوة وللذكر أخرى فالعقل أيضا يقول فيه إن الحافظة للمعقولات قوّة والذاكرة لها أخرى ويجوز منه في هذه ما جاز في تلك فلا تفيد الحجة على مذهبه» (ج ٢ ص ٣٦٢) انتهى.
أقول : هذه الحجة في الحقيقة تتضمن حجة أخرى أيضا على تجرد جوهر النفس الناطقة الإنسانية قد ادرجت في تقرير الحجة الأولى تمثيلا وتثبيتا لها. وهي أن النفس جوهر ليس بمحال أن تتزاحم الأمور عليه والصور المعلومة فيه. وهذا الجوهر مع أن تلك الصور والأمور حاصلة عنده يقبل إلى غيرها وذلك الإقبال ربما يشغله عن ذكر تلك الصور والتوجه اليها مع انها لا تنمحى عنه بإقباله إلى غيرها بل هي حاصلة عنده