نحو حصول قوة الكاتب الممنوع أو الممسك عن الكتابة فمتى شاء أن يكتب يكتب بلا حاجة إلى تحصيل ملكة الكتابة جديدا ، والحال أن الجسم الطبيعى ليس له هذه الشأنية فان ما زال عنه يجب حصوله له بسبب محصّل جديد من خارج ، فكما أن تلك الصور حاصلة عند جوهر النفس وما زالت عنه بذلك الإقبال كذلك سنوح العوارض من مرض أو نسيان أو نحوهما لا يوجب زوالها عنه فإذا زال المرض والنسيان مثلا رؤيت تلك الصور والأمور كما كانت من غير كسب جديد فهي كانت مستكنّة فيه إلّا أن الرادع كأن يشغله عنها. فهاتان الحجتان تفيدان اتحاد النفس بمسكوباتها وجودا. فالنفس هي صورها العلمية وملكاتها العلمية. وتفصيل البحث عن الاستقصاء موكول إلى كتابنا دروس اتحاد العاقل بمعقوله.
وأمّا ما في المعتبر من الاعتراض على الحجة فنقول : إنّ المشاء ذهبوا إلى أنّ القوّة الحافظة الذاكرة خزانة للمعانى الجزئية ، وأمّا المعانى العقلية فخزانتها العقل الفعّال. قال الشيخ في آخر الفصل الأوّل من رابعة نفس الشفاء في إثبات الحواس الباطنة ، ما هذا لفظه :
وقد جرت العادة بأن يسمى مدرك الحس المشترك صورة ، ومدرك الوهم معنى. ولكل واحد منهما خزانة فخزانة مدرك الحس وهو الصورة هي القوّة الخيالية ، وموضعها مقدم الدماغ فلذلك إذا حدثت هناك آفة فسد هذا الباب من التصوّر إمّا بأن تتخيّل صورا ليست ، أو تصعب استثبات الموجود فيها. وخزانة مدرك المعنى هو القوّة التي تسمّى الحافظة ، ومعدنها مؤخر الدّماغ ، ولذلك إذا وقع هناك آفة وقع الفساد فيما يختص بحفظ هذه المعانى. وهذه القوّة تسمّى أيضا متذكرة ، فتكون حافظة لصيانتها ما فيها ، ومتذكرة لسرعة استعدادها لاستثباته والتصوّر به مستعيدة إيّاه إذا فقد إلخ. (ج ١ ، ص ٣٣٤ ، ط رحلى ايران).
ومدرك الوهم معنى جزئى كما نص به الشيخ في الموضع المذكور من الشفاء أيضا.
وقد أثبت في الفصل الثالث عشر من النمط الثالث من الإشارات العقل الفعال من حيث كونه خزانة للمعقولات ، وإفاضته إيّاها على النفوس الإنسانية.