قد أشرنا في تضاعيف الحجج السالفة أنّ للنفس الناطقة الإنسانية مقام فوق التجرّد ، ونعنى بذلك أنّ النفس كما أنّها جوهر مجرّد عن المادّة الطبيعيّة وأحكامها كذلك لا تقف إلى حدّ بل كلّما زادت علما زادت سعة وقدرة تستعدّ للارتقاء إلى المعارج الأخرى وللاعتلاء إلى المدارج العليا ، وهذه خصيصة اختص ذلك الجوهر الفرد بها ، ولا تجد موجودا مجرّدا له هذا الشأن الارتقائى اللّايقفى ، سبحان اللّه ما أعظم شأن الإنسان وقد قال تعالى شأنه : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين ، ٥). وأشرت إلى ذلك المعنى في غزل من ديواني :
نفس را فوق تجرّد بود از أمر إله |
|
واحد است ار چه نه آن واحد كمّ عدديست |
ولعمرى إنّ قصيدتى التائية العائرة المسمّاة بـ ينبوع الحياة لها شأن في بيان مدارج النفس الناطقة ومعارجها ومقام فوق تجرّدها العقلى ، وهي تنتهى إلى ٤٢٦ بيتا ، ومن أبياتها :
تصفّحت أوراق الصحائف كلّها |
|
فلم أر فيها غير ما في صحيفتى |
تجرّدها ممّا هي للطبيعة |
|
يفيد بقاء النفس للأبديّة |
كذاك مقام فوق ذاك التجرّد |
|
لها ثابت أيضا بحكم الأدلّة |
على صورة الرحمن جلّ جلاله |
|
بدى هذا الإنسان من أمشاج نطفة |
وسبحان ربّي ما أعزّ عوالمي |
|
وأعظم شأني في مكامن بنيتي |
وما آية في الكون منى بأكبرا |
|
ونفسي كتاب قد حوى كلّ كلمة |
عجائب صنع النفس يا قوم ماهية |
|
وما يعدل صنع بتلك الصّنيعة |
وقد حرّرنا البحث عن هذه البغية القصوى والغاية العليا ـ أعنى أن النفس الناطقة