على القيام الحلولى ، والثانى على القيام الصدورى.
ثمّ انّ صاحب المباحث بعد نقل الدليل المذكور أتى ببعض الاعتراضات عليه على مذهب الجمهور ، وصاحب الأسفار بعد الإتيان بها أتى بدقائق أخرى على مبنى الحكمة المتعالية ، وقد أومأ بتزييف ما عليه الجمهور على ما نحكى عبارته الشريفة وهي ما يلى :
لا يقال : التضاد بين السواد والبياض لذاتيهما فأين حصلا فلا بدّ وأن يتضادّا.
فنقول : انّه من المحتمل أن يكون تضادّهما في المحالّ التي تنفعل عن كل منهما وتتأثر فإنّ الجسم إذا حلّ فيه السواد يتغيّر وتترتّب عليه آثار مخصوصة كقبض الإبصار ونحوه ، وإذا حلّ فيه البياض يتغيّر وتترتب عليه آثار تخالف تلك الآثار؛ وأما المحل الإدراكى فلا ينفعل عنهما مثل هذه الانفعالات والاستحالات وكل منهما يطرأ ويزول ويجتمع معا ويفترق معا وهو كما كان.
هذا إن كان الخيال محلا لهما وأما على ما حققناه من أنّ حصول تلك الصور له هو بعينه حصولها عنه لأنّ نسبته إليهما بالفاعلية لا بالقبول الانفعالى ، ولو كان هناك قابليّة هي عين الفاعلية كما في علوم المفارقات ، وبالجملة شرط التضاد بينهما هو الموضوع الانفعالي المادّي لا غير فلا استحالة في اجتماعهما لمحلّ غير مادّي أو لجوهر فاعلي.
وليس لقائل أن يقول : إنّا إذا تصوّرنا السواد والبياض والحرارة والبرودة فلا تنطبع هي أنفسها بل تنطبع صور هذه الأمور ومثلها فقط فلهذا لا يلزم أن تكون حارّة باردة عند انطباع هذه الأمور.
لأنّا نقول هذه الأمور التي سمّيتموها بأنّها صور السواد والبياض وغيرهما هل لها حقيقة السواد والبياض أم لا؟ فإن كانت لها حقيقتهما وقد انطبع في النفس صور تلك الأمور التي هي بالحقيقة سواد وبياض وحرارة وبرودة واستدارة واستقامة فيجب عند ذلك أن تصير النفس حارة وباردة ، سوداء وبيضاء ، مستقيمة ومستديرة فتكون جسما؛ وإن لم تكن لتلك الصور التي تصوّرناها حقيقة السواد والبياض والحرارة