والبرودة لم يكن إدراك الأشياء عبارة عن انطباع ماهية المدرك في المدرك.
وأيضا نحن نعلم بالوجدان عند تخيّلنا ومشاهدتنا لتلك الأمور أنا نشاهد السواد والبياض والحرارة بعينها كما أحسسناها في الخارج. فالتحقيق كما بيّنّاه أنّ نسبة النفس إليها نسبة الفاعلية والإيجاد ، وهذه النسبة أشد وآكد من نسبة المحل المنفعل لأنّ نسبة الفاعلية بالوجوب ونسبة القابلية بالإمكان ، والوجوب آكد من الإمكان في باب النسبة. انتهى.
أقول : قوله «وأمّا على ما حققناه من أنّ حصول تلك الصور له إلخ» هذا هو جوابه التحقيقى في قبال الجواب الاحتمالى الذي أتى به الفخر في المباحث أولا بقوله : «من المحتمل أن يكون تضادهما في المحالّ إلخ». وقد مضى تحقيقه في الوجود الذهنى حيث قال في أوّل الفصل الأوّل من المنهج الثالث :
كل صورة صادرة عن الفاعل فلها حصول له. بل حصولها في نفسها نفس حصولها لفاعلها ، وليس من شرط حصول شيء لشيء أن يكون حالّا فيه وصفا له بل ربما يكون الشيء حاصلا لشيء من دون قيامه به بنحو الحلول والوصفية كما أنّ صور جميع الموجودات حاصلة للباري حصولا أشدّ من حصولها لنفسها أو لقابلها. (ج ١ ، ط ١ ، ص ٦٥).
مزيد فائدة : عبارة الأسفار في هذه الحجة هي عبارة الفخر في المباحث وقد دريت أنّها الدليل الحادى عشر منه في بيان أنّ النفس الإنسانية ليست بجسم ولا منطبعة في جسم. والفرق بين ما في المباحث وبين ما في الأسفار أنّ صاحب الأسفار أضاف إليها قيودا حتى خصّصها بتجرّدها المثالى أعنى تجرّدها الخيالى البرزخى ، وصاحب المباحث جعلها حجة على تجرّدها العقلى. وانما غرضنا الآن نقل ما في المباحث فإنّه يوجب للمحقق زيادة استبصار في تحقيق البحث.
قال : الدليل الحادى عشر وهو أنا إذا حكمنا بأنّ السواد يضاد البياض فقد برهنا على أنّه لا بدّ من حصول السواد والبياض في الذهن ، والبداهة حاكمة بامتناع اجتماعهما في الأجسام والجسمانيات ، فإذا المحلّ الذي حضرا فيه وجب أن لا يكون جسما