ولا جسمانيا.
فإن قيل : التضاد بين السواد والبياض لذاتيهما فأين حصلا فلا بدّ وأن يتضادّا. فنقول : انّه من المحتمل أن يكون تضادّهما أنّما يتحقق في بعض المحالّ دون البعض فيكون من شرط المحل الّذي يظهر عليه التضاد أن يكون جسما ، وعند ما لا يكون المحلّ جسما لا يتحقق شرط التضاد فلا يتحقق التضاد.
ولقائل أن يقول : الشك المذكور متوجه هاهنا أيضا ، وهو أنّ النفس إذا تصورت الكريّة فان وجدت الكرّية فيها لزم أن تصير النفس كرة لأنّه لا فرق في العقل بين أن يقال هذا الشيء كرة ، وبين أن يقال صورة الكرة؛ وكذلك القول في السواد والبياض والحرارة والبرودة.
وليس لأحد أن يقول إنّ انطباع صورة الكرة في النفس كانطباعها في المرآة حين ما تشاهد الكرة في المرآة لأنّا بيّنا أنّ الأشياء التي شاهدناها في المرآة ليس ذلك لأجل انطباع صورها فيها.
وليس لأحد أن يقول : إنّا إذا تصورنا السواد والبياض والحرارة والبرودة فلا ينطبع السواد والبياض والحرارة والبرودة في النفس بل تنطبع فيها صور هذه الأمور ومثلها فقط فلهذا لا يلزم أن تكون النفس حارة باردة عند انطباع هذه الأمور فيها.
لأنّا نقول : هذه الأمور التي سميتموها صور السواد والبياض ومثلها هل لها حقيقة السواد والبياض أم لا؟ فإن كانت لها حقيقة السواد والبياض فمثال السواد والبياض وصورتهما أيضا سواد وبياض فقد انطبع في النفس سواد وبياض وحرارة وبرودة واستدارة واستقامة فيجب أن تكون النفس سوداء بيضاء حارة بارة مستديرة مستقيمة فتكون حينئذ جسما؛ وإن لم تكن لصور السواد والبياض والاستدارة والاستقامة ومثلها حقيقة السواد والبياض والاستقامة والاستدارة لم يكن إدراك الأشياء عبارة عن انطباع ماهية المدرك في المدرك. فهذا الشك لا بدّ وأن يحتال في حلّه إن فسر الإدراك بالانطباع ، أو اعتبر فيه الانطباع كيف كان ولولاه لكانت هاتان الحجتان قويتين جدّا. انتهى.
أقول : «قوله الشك المذكور متوجّه هاهنا أيضا» يريد بذلك الشك ما تقدّم في تقرير الدليل الذي عوّل عليه أفلاطون في تجرّد النفس الناطقة ، وهو الدليل العاشر من المباحث ، والحجة الثانية من الأسفار على تجرّد النفس تجرّدا مثاليا ، والحجة الاولى في