ولكن لم أجده بتلك العبارات المنقولة من المباحث والأسفار؛ وكأنّه تحرير آخر لما في المباحثات كما سنأتى به. وصاحب الأسفار نقل العبارة من المباحث لا من المباحثات كما يعلم بعرض ما في الأسفار على المباحث. وعندنا نسخة مصوّرة من المباحثات في سفينة تحتوى ثمانى وتسعين رسالة ومقالة ، أصلها محفوظ في خزانة مكتبة الآية الحبر المعظم المرعشى زيد عزّه في دار العلم قم المحمية ، ونسخة أخرى مطبوعة مع عدة رسائل أخرى بعنوان أرسطو عند العرب دراسة ونصوص غير منشورة مما بذل الجهد فيها خدوم العلم المفضال عبد الرحمن بدوى دامت تأييداته.
والعجب أنّ النسختين لا يوافق عبارات إحداهما الأخرى كاملا. بل كأنّ كل واحدة منهما تحرير محرّر منفرد ، وتقرير جامع على حدة. كيف كان ، عبارة المباحثات في بيان الدليل المذكور على وزان ما في النسخة المطبوعة محررة هكذا :
من شأننا أن نعقل أنفسنا ، سواء كان طبعا أو كسبا ، فبعض الأشياء يعقل ذاته وجوهره ، وما يعقل شيئا فحقيقة ذلك الشيء حاصلة له ، فحقائق ذواتنا حاصلة لها (لنا ـ خ) ؛ وليس مرّتين ، فإنّ حقيقة الشيء ، مرّة واحدة ، وليست نفس الوجود ، فهذا لكل شيء ، وليس كل شيء يعقل ذاته ، فهذا لذاته ليست لغيره ، ونحن نعقل جوهرنا ، فجوهرنا ماهية لذاته ليست لغيره. فهذا إذن هو أنّ حقائق جوهرنا الأصلية ليست لغيرها. وهذا معنى قولهم : كل ما يرجع على ذاته فهو عقل ، أي تكون ماهية ذاته التي بها هي بالفعل لذاته ليست لغيره ، ونحن نعقل جوهرنا ، فجوهرنا ماهيته لذاته ليست لغيره.
ليس يجوز أن يكون أصل حقيقتنا له بالقياس إلى نفسه أنّه موجود الوجود الذي له ، ثمّ له بالقياس إلى نفسه أنّه معقول بزيادة أمر على أنّه موجود الوجود الذي له على أنّهما اثنان ، فإنّ حقيقته لا يعرض لها مرّة شيء ومرّة ليس ذلك الشيء ، وهي واحدة في وقت واحد ، فليس لكونها معقولة زيادة شرط على لونها موجودة وجودها الذي لها ، بل زيادة شرط على الوجود مطلقا ، وهو أنّ وجود ماهيتها التي بها هي معقولة حاصلة لها في نفسها ليس لغيرها. وهذا أجلّ ما أعرفه في هذا الباب ، ويحتاج إلى