لم لا يجوز أن يكون هو أثرا ما حصل لنا من ذاتنا ، فلا يكون ذلك هو حقيقة ذاتنا. فعلى هذا يكون لنا حقيقة يحصل منها أثر فينا فنشعر بذلك الأثر ، فلا يكون ذلك الأثر هو الحقيقة فلا يكون قد حصل لنا ذاتنا مرّتين.
قال المجيب : قد سبق أنّ الإدراك ليس إلّا ثبوت حقيقة الشيء. فقوله : «انّه يحصل لنا أثر منه فنشعر بذلك الأثر» إمّا أن يجعل الشعور نفس الأثر ، أو أمرا مغايرا لذلك الأثر تابعا له؛ فإن كان نفس ذلك الأثر فقوله : «فنشعر بذلك الأثر» لا معنى له بل هو مرادف لقوله يحصل لنا أثر. وإن كان الشعور تبعه (وإن كان الشعور شيئا يتبعه ، (كما في المباحث) ، فإمّا أن يكون ذلك الشعور هو حصول ماهية الشيء ، أو حصول ماهية غيره : فإن كان غيره فيكون الشعور هو تحصيل ما ليس ماهية الشيء ومعناه. وإن كان هو هو فيكون ماهية الذات تحتاج في أن يحصل لها ماهية الذات إلى ذلك الأثر فتكون ماهية الذات غير موجودة إلى أن حصلها ذلك الأثر فلا تكون تلك الماهية متأثرة بل متكوّنة هذا خلف. وإن كان ماهية الذات لنا بحال أخرى من التجريد والتجديد ، ونزع بعض ما يقارنها من العوارض فيكون المعقول هو ذلك المتجدد المتجرّد وكلامنا فيما إذا كان المعقول هو جوهر نفسنا الثابت في الحالين.
أقول : الحق انّ حقيقة ذاتنا حاصلة لنا بنفس ذاتها بالوجدان والإدراك الشهودي ، والتفوه بالأثر أثر من يكابر مقتضى عقله ووجدانه. نعم إنّ هذه الأسئلة والأجوبة مفيدة للرياضة الفكرية ينتفع بها المتعلم الباحث.
قال السائل : سلّمنا أنّا نعقل ذواتنا ولكن لم قلتم بأنّ من عقل ذاتا فله ماهية تلك الذات وإلا لكنّا إذا عقلنا الإله والعقول الفعالة وجب أن يحصل لنا حقائقها.
قال المجيب : الحاصل فينا من العقل إن أمكننا أن نعقله هو العقل الفعّال من جهة النوع والطبيعة لا من جهة الشخص لأنّ أحدهما بحال ليس الآخر بتلك الحال ، والمعقول من حقيقتك لا يفارق حقيقتك في النوع والماهية ولا بالعوارض أصلا ولا مفارقة بالشخص فيكون هو بالشخص كما هو هو بالنوع. وأمّا العقل الفعّال وما يعقل منه فهو هو في المعنى وليس هو هو بالشخص.