وأيضا لو كانت طالبة للملائم المطلق لكانت طالبة للملائم من حيث هو ملائم وذلك كلى فيكون البهيمة مدركة للكليّات وليست كذلك ، فإذن البهيمة تطلب ما يلائم لنفسها وإدراكها له يستلزم إدراكها لنفسها المخصوصة فإنّ العلم بإضافة أمر إلى أمر يقتضى العلم بكلا المتضائفين.
أقول : هذا السؤال معنون في المباحثات هكذا : «سئل هل تشعر الحيوانات الأخرى سوى الإنسان بذواتها إلخ» (ص ٢٠٩ ، ط مصر).
قال المجيب : إنّ نفس الإنسان تشعر ذاتها بذاتها ، ونفوس الحيوانات الآخر لا تشعر ذواتها بذواتها بل بأوهامها في آلات أوهامها ، كما تشعر بأشياء أخر بحواسها وأوهامها في آلات تلك الحواس والأوهام؛ فالشيء الذي يدرك المعنى الجزئي الذي لا يحس وله علاقة بالمحسوس هو الوهم في الحيوانات ، وهو الذي يدرك به أنفس الحيوانات ذواتها لكن ذلك الإدراك لا يكون بذواتها ولا في آلة ذواتها التي هي القلب بل في آلة الوهم بالوهم كما أنّها تدرك بالوهم وبآلته معان أخر ، فعلى هذا ذوات الحيوانات مرّة في آلة ذواتها وهي القلب ومرّة في آلة وهمهما وهي مدركة من حيث هي في آلة الوهم.
قال السائل : فما البرهان على أنّ شعورنا بذواتنا ليس كشعور الحيوانات؟
قال المجيب : لأنّ القوّة المدركة للكليات يمكنها أن تدرك ماهية ذاتها مجرّدة عن جميع اللواحق الغريبة ، فإذا شعرنا بذاتنا الجزئية المخلوطة بغيرنا ، شعرنا بواحد مركب من أمور نحن شاعرون بكل واحد منها من حيث يتميز عن الآخر ، وأعنى بتلك الأمور حقيقة ذاتنا والأمور المخالطة لها ، ويجوز أن يتمثل لنا حقيقة ذاتنا وإن كانت سائر الأمور غائبة عنّا ، وإدراك الحيوانات لذواتها ليس على هذا الوجه فظهر الفرق.
قال صاحب الأسفار :
هذا في الحقيقة رجوع عن هذه الحجة إلى الحجة الأولى. والحق أنّ نفوس الحيوانات مدركة لذواتها بنفس ذواتها إدراكا خياليا لا بآلة الخيال بل بهوياتها الإدراكية ، وذلك يقتضى تجردها عن أبدانها الطبيعيّة دون الصور الخيالية. وقد مرّ منا