أنّ متلقّى الصورة المعقولة جوهر منّا غير جسماني. وبعبارة أخرى : انّ الجوهر الذي تحلّ فيه الصورة العقلية الكلّية ـ وإن شئت قلت : الجوهر الذي يدرك الصور العقليّة ـ جوهر روحاني غير موصوف بصفات الأجسام.
وعصارة البرهان : أنّ الصورة المعقولة بسيطة مفارقة ووعاء المفارق مفارق.
وأخصر من هذه أن تقول : وعاء العلم مجرّد لأنّه مجرّد. أو تقول : العلم بسيط فمدركه بسيط.
هذا ما أردنا من تلخيص البرهان. ولا يخفى عليك أنّ قول الشيخ : «وتصير حينئذ الصورة خيالية لا معقولة» صريح بأنّ البرهان يدلّ على تجرّد النفس تجرّدا تاما عقلانيا ، ولا يدلّ على تجرّدها الخيالى البرزخى الغير التام ، ولذلك جعلناه في بيان تجرّدها العقلي. فيسأل الشيخ والذين اقتفوا لآرائه وممشاه عن النفس التي لم تتجرّد تجرّدا عقليا فإن أقاموا البرهان على تجرّدها البرزخى أيضا فهو المراد وإلّا فالإيراد وارد عليهم في بقاء النفوس التي لم يحصل لها تجرّد عقلى بعد. فتأمل.
تحقيق : اعلم أنّ هذا البرهان أعنى به البرهان الأوّل من نفس الشفاء هو عندهم من أقوى البراهين الدالّة على تجرّد النفوس الناطقة المدركة للمعانى الكلية. وغرضنا الآن في التّحقيق أنّ للشيخ عناية خاصة به وأتى به في سائر تصانيفه بتقريرات يقرب بعضها من بعض ، مع ذلك فيها فوائد في تقريب البرهان وتشحيذ الأذهان ، ودفع اعتراضات قد تورد عليه ، أوجبت نقل بعض ما في تلك المصنّفات من تقرير البرهان ، وإن كان بظاهره يوهم الإسهاب ولكن عظم الأمر يجبره فعليك بما نتلوه منها وهي ما يلى :
١ ـ قال في النجاة :
فصل في تفصيل الكلام على تجرّد الجوهر الذي هو محل المعقولات. ثمّ نقول : انّ الجوهر الذي هو محل المعقولات ليس بجسم ولا قائم بجسم ـ إلى آخر ما نقلناه من الشفاء ، وقد علمت أنّ الشيخ (رضوان اللّه تعالى عليه) اقتطف النجاة من كتابه الكبير الشفاء. (النجاة ، ١٧٤ ـ ١٧٧ ، ط مصر ، الطبعة الثانية ، ١٣٥٧ هـ. ق).