٢ ـ قد تصدّى الشيخ لبيان هذا البرهان في الفصل السادس عشر والفصلين بعده من النمط الثالث من كتاب الإشارات ، وفي الفصل الأوّل من سابع الإشارات ، كما يأتي استيفاء النقل والتحقيق والتنقيب في ذلك.
٣ ـ اكتفى في الفصل السادس من المقالة الثالثة من رسالته في المبدا والمعاد بذلك البرهان الأوّل من الشفاء فقط على كون النفس جوهرا مفارقا بتقرير آخر مع اختصار فقال ما هذا لفظه :
فصل في أنّ المعقولات لا تحل جسما ، ولا قوّة في جسم ، بل جوهرا قائما بنفسه.
ونحن الآن ملتمسون أن نعرف كيف تأخذ كلّ قوّة مدركة صورة المدرك ، فنقول : إنّ المدرك إذا كان ذاتا عقلية فلا يجوز أن يدركه قوّة حسيّة ، ولا قوّة في جسم بوجه من الوجوه.
والبرهان على ذلك أنّ كل قوّة في جسم فإنّ الصورة التي تدركها تحلّ جسما لا محالة ، ولو كان محلّه مجرّدا عن الجسم لكان لتلك القوّة قوام دون الجسم. ثمّ لا يجوز أن يكون لصورة عقلية ، كيف كانت ، عقلية بذاتها أو بتجريد العقل لها ، تصوّر وحلول في الجسم ، وذلك لأنّ كل معنى وذوات عقلية فهي بريئة عن المادة وعن عوارض المادة ، وانّما هو حدّ فقط.
ثمّ كل صورة تحل جسما فقد يمكن فيها أن تنقسم؛ فإن تشابهت الأقسام فيكون الشيء لم يدرك مرّة ، بل مرارا كثيرة ، بل مرارا بغير نهاية بالقوّة. وإن لم تتشابه الأقسام وجب أن تختلف ، فيجب أن يكون بعضها قائما مقام الفصول من الصورة التامّة ، وبعضها قائما مقام الجنس ، لأنّ أجزاء تلك الصورة تكون أجزاء معنى الذات ، ومعنى الذات لا يمكن أن يقسم إلّا على هذا الوجه. لكن القسمة ليست واجبة أن تكون على جهة واحدة ، بل يمكن على جهات مختلقة ، فيمكن أن تكون أجزاء الصورة كيف اتفق فصلا أو جنسا ، فلنفرض جزء جنسا وجزء فصلا معيّنا. ولنقسم على خلاف تلك القسمة : فإن كان ذلك بعينه فهذا محال ، وإن كان فصل آخر وجنس آخر حدث للشيء فصول كيف اتفق وبغير نهاية وأجناس كذلك فهذا محال.