والثالث : إذا قدر على كسب لا يليق بحاله ، فهل يجوز له حينئذ تركه ، والإقدام على أخذ الزكاة لنفي الحرج ، وعدم جواز إذلال نفسه ، كما ورد في بعض الأخبار (١) أم لا؟ لظواهر أخبار كثيرة من أنّه لا تحلّ الزكاة لغنيّ ، ولا لذي مرّة سوي.
مثل صحيحة زرارة عن الباقر عليهالسلام أنّه قال : «لا تحلّ الصدقة لمحترف ، ولا لذي مرّة سوي قوي فتنزّهوا عنها» (٢).
مع أنّه عليهالسلام كان يأمر أصحابه بالتواضع ، ومنهم محمّد بن مسلم فأخذ قوصرة من التمر يبيعها في وسط السوق ، وحكايته مشهورة في «رجال الميرزا» ، أو غيره مذكورة (٣).
واشتهر أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام أجّر نفسه ليهودي (٤) ، وكذا كان يأخذ من اليهودي ما يطحنه عياله ، أو نحو الطحن (٥).
مع أنّ أخذ الزكاة ربّما يكون أزيد له ، كما نشاهد.
هذا ؛ مضافا إلى الأخبار الكثيرة الواردة في تحصيل المعيشة ومذمّة أخذ الشيء من الآخر مثل قولهم عليهمالسلام : «اليد العليا خير من [اليد] السفلى» (٦) وأمثال ذلك ممّا لا يحصى.
لكنّ الذي أظنّ وببالي أنّ المنع عن أخذ الزكاة حينئذ طريقة العامّة ، لما رووا
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١٦ / ١٥٦ ـ ١٥٨ الباب ١٢ و ١٣ من أبواب الأمر والنهي.
(٢) الكافي : ٣ / ٥٦٠ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٣١ الحديث ١١٩٠٦.
(٣) منهج المقال : ٣٢١ ، تنقيح المقال : ٣ / ١٨٥.
(٤) عوالي اللآلي : ٣ / ٢٥٤ الحديث ٤ ، مستدرك الوسائل : ١٤ / ٢٨ الحديث ١٦٠١٤.
(٥) بحار الأنوار : ٤٣ / ٣٠ الحديث ٣٦.
(٦) الكافي : ٤ / ١١ الحديث ٤ ، ٢٦ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٤٦١ الحديث ١٢٥٠٢.