نفس الزرع ، مثل مؤنة الحصاد والدواس وأمثالهما ، فإنّ الزرع إذا وصل حدّ الحصاد لا يفي الشخص الواحد لحصاده ، وإن كان هو الزارع فقط ، لأنّه بالبقاء على حاله من دون المسارعة المتعارفة يتلف ويضيع. فلا محيص عن إعانة جماعة ، بعضهم يشارك في الحصاد ، وبعضهم يحمله إلى الموضع الذي يجعل صبرة ، وبعضهم يحرس ويلاحظ عن السارق والمتلفات ، وبعضهم دوّاسه وبعضهم يصفّيه ، إلى غير ذلك.
ولا تستقيم الإعانات المذكورة إلّا بأخذ الاجرة من نفس الزرع ، والظاهر استواء حال الأزمنة فيما ذكر ، فلعلّ المتعارف في زمان صدور الروايات أيضا كان كذلك ، بل الظاهر ذلك ، سيّما بملاحظة أصل عدم التغيير.
فربّما يظهر ممّا ذكر أنّ للمالك إعطاء المؤن المذكورة من نفس الزرع ، وأنّه ممضى على الفقراء. ويؤيّده ورود استحباب التصدّق منه يوم الحصاد والدواسّ (١) ، بالنحو الذي ورد ، مع ظهور الفرق بين مستحقّ الزكاة ، ومستحقّ هذه التصدّقات.
وبالجملة ؛ لم يرد في خبر من الأخبار منع المالك من التصرّفات التي ذكرناها ، وأنّه لو تصرّف ـ كما ذكرنا ـ يكون الواجب عليه أن يحبسه على نفسه ، ويعطى من خصوص ماله ، ويضمن للفقراء حصّتهم ، ولم يظهر من خبر من الأخبار ـ مع دلالتها على وجوب الزكاة حتّى صار حنطة ـ أنّه على المالك مؤنة مال الفقراء الذي ليس ماله ، بل هو مال الفقراء ، وأنّه لا يصرف من الزرع في ذلك شيئا أصلا.
وممّا ذكر ظهر الكلام في الصحيحة (٢) ، بل هي أظهر دلالة في كون العشر في
__________________
(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٩٥ الباب ١٣ من أبواب زكاة الغلات.
(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٨٨ الحديث ١١٨٠٣.