قالوا : صدقت ففي دموعك مقنع |
|
لو لم تكن ممزوجة بدماء (١) |
وقلت في نفسي : ليتك لم تخرج إلى الاستسقاء حتى لم أبتل بما ابتليت به من الجوع والظمأ والبرد ؛ ونمت في ناحية المسجد ، فلما كان الصّبح قال لي : قم يا أبا عبد الرّحمن واطلب الماء وتطهّر حتى نصلّي ونخرج ، فقمت وتوهمت أنه قد تطهّر فقلت : أين تطهر الأستاذ؟ قال : ما تطهّرت ، فخرجت وتطهّرت وصلّينا وخرجنا ، وما نام ليلته ، وصلّى على طهارة الأمس.
قال : ولما دخلنا مكة حرسها الله نظر إلى تلك المقبرة فقال : يا أبا عبد الرّحمن طوبى لمن كان قبره في هذه المقبرة ، وليت قبري كان هاهنا ، ثم أنه ـ رحمهالله ـ أقام بها مجاورا ، وقال لي : عليك بالانصراف ، فقد حججت حجّة الإسلام فاشكر الله على ذلك وارجع إلى والدتك ، فإني قبلتك منها ، فيجب أن أردّك عليها ، وكنت نويت أن أجاور معه ولا أفارقه ، ولكن لم يرض لي ، ليرضى الرجوع إلى الوالدة. فقال : ترجع وتعود سريعا إن شاء الله ، فمرض هناك مدة يسيرة ، فقال لي بعض أصحابنا : دخلت عليه في مرضه ، فقلت له : ما تشتهي؟ قال : كوز من ماء الجمد كما يكون بخراسان قال : فخرجت من عنده وخرجت إلى العمرة ومعي ركوة فطلعت سحابة وأمطرت بردا كثيرا وما أمطرت بمكة شيئا فسررت بذلك وجمعت منه ملء ركوتي (٢) وغدوت به حتى دخلت عليه وقلت : سهّل الله ما تريد ، فنظر إليه وتبسّم ، وما شرب منه قطرة ، وتوفي رحمهالله تعالى سنة سبع وستين وثلاثمائة.
٤٨٠ ـ إبراهيم بن محمد بن أحمد
أبو إسحاق القرميسيني (٣)
قدم دمشق وحدّث بها عن عمر بن علي بن سعيد ، وأبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب.
__________________
(١) عجزه في السير :
لكنها ممزوجة بدماء
(٢) في مختصر ابن منظور : مسك ركوتي.
(٣) ضبطت عن الأنساب ، وهذه النسبة إلى قرميسين. بلدة بجبال العراق قرب همذان عند دينور. (الأنساب).