فإذا انقلب إليّ وجدني قد دخرت من أجره وفضيلته مما يتمكن به القربة عندي ، وأفضل المنازل في دار المقامة ، اجعل ذكر ذلك البيت وسناه ومجده لنبيّ من ولدك هو قبل هذا النبي ، هو وأبوه يقال له إبراهيم ، أعافيه فيشكر ، وابتليه فيصبر ، ويعيذني فيصدق ، وينذر لي فيفي ، أعلمه مناسكه وشرائعه وأريه حلّه وحرامه ، وأنيط له سقايته. أجعل إبراهيم أمام ذلك البيت وأهل تلك الشريعة يأتمّ به من ورد ذلك البيت من أهل السموات والأرض يطلبون فيه آثاره ، ويتّبعون فيه سنّته ، ويهتدون فيه بهديه ، فمن فعل ذلك استكمل نسكه ، وأوفى نذره ، ومن لم يفعله منهم ضيّع نسكه وأخطأ بغيته. فمن سأل عنه يومئذ فأنا مع الشعث الغبر الموفين نذورهم ، المستكملين مناسكهم ، المتبتلين إلى ربهم الذي يعلم ما يسرون وما يعلنون ، وليس هذا الأمر الذي ذكرت لك شأنه ليس بزائد فيما عندي من الملك والسعة ، إلّا كما رشت قطرة من رشاش وقعت في سبعة أبحر يمده من بعده سبعة أبحر لا تحصى ، بل القطرة أزيد في الأبحر من هذا الأمر ، في ملكي وسلطاني لما عندي من السعة ، وليس هذا الأمر لو لم أخلقه بناقص شيئا مما عندي ، إلّا كما نقصت ذرة رفعت من جميع تراب الأرض ورمالها وحصبائها وجبالها ، بل الذرة أنقصت من الأرض وترابها وجبالها ورمالها من هذا الأمر ، ولو لم أخلقه فيما عندي من الملك والسعة.
أخبرنا أبو عبد الله الخلّال ، أنا إبراهيم بن منصور ، أنا أبو بكر بن المقرئ ، أنا المفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي (١) ، نا محمد بن يوسف ، نا أبو قرة قال : بلغني عن معمر ، عن بعض من مضى أنه قال : وضع الله تبارك وتعالى البيت مع آدم ، فأهبط الله آدم إلى الأرض فكان بأرض الهند وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، فنقص إلى سبعين (٢) ذراعا ، فحزن آدم إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم ، فشكا ذلك إلى الله تعالى فقال الله عزوجل : يا آدم إني قد أهبطت لك بيتا يطاف فيه كما يطاف حول عرشي ، ويصلّى عنده كما [يصلى](٣) عند عرشي فانطلق إليه ، فخرج آدم ومدّ له في خطوه فكان بين كل خطوتين مفازة ، فلم تزل تلك المفازة (٤) على ذلك ، حتى أتى آدم
__________________
(١) ضبطت عن الأنساب ، وهذه النسبة إلى جند بلدة من بلاد اليمن ، مشهورة.
(٢) في تاريخ الطبري ١ / ١٢٣ ستين ذرعا.
(٣) الزيادة عن الطبري.
(٤) في الطبري : المفاوز.