قال : فلما بلغ عليا رضياللهعنه مسير بسر وما صنع بعث في عقب بسر بعد منصرفه من الشام جارية بن قدامة السّعدي فجعل لا يلقى أحدا خلع عليا إلّا قتله ، وأحرق حتى انتهى إلى اليمن فلذلك سمّت العرب جارية بن قدامة محرّقا.
قال أبو سعيد بن يونس : ويقال إنّ أمّ عبد الرّحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس [جويرية بنت قارظ الكنانية ، وكان عبيد الله بن العباس](١) قد جعل ابنيه هذين عبد الرّحمن وقثم عند رجل من بني كنانة ، وكانا صغيرين فلما انتهى بسر إلى بني كنانة بعث إليهما ليقتلهما ، فلما رأى ذلك الكناني (٢) دخل بيته ، أخذ السيف [ثم خرج] يشتدّ عليهم بسيفه حاسرا وهو يقول :
الليث من يمنع حافات الدّار |
|
ولا يزال مصانا دون الدار (٣) |
ألا فتى أزوع غير غدار
فقال له بسر : ثكلتك أمك ، والله ما أردنا قتلك ، فلما عرّضت نفسك للقتل؟ فقال أقتل دون جاري فعسى أعذر عند الله وعند الناس ، فضرب بسيفه حتى قتل ، وقدّم بسر الغلامين فذبحهما ذبحا ، فخرجت نسوة من بني كنانة فقالت منهن (٤) قائلة : مهيم يا هذا ، هذا الرجال قتلت ، فعلام تقتل الولدان؟ والله ما كانوا يقتلون في جاهلية ولا إسلام ، والله إن سلطانا لا يقوم إلّا بقتل الضّرع (٥) الصغير ، والمدرة الكبير ، وبرفع الرحمة ، وعقوق الأرحام لسلطان سوء. فقال لها بسر : والله لهممت أن أضع فيكن السيف ، فقالت له : تالله انها لأخت التي صنعت ، وما أنها لها منك بآمنة ، ثم قالت للنساء واللاتي حولها ويحكن تفرّقن ، فقالت جويرية أم الغلامين : امرأة عبيد الله بن العباس تبكيهما وذكرت هذه الأبيات بعينها أو نحوها.
وقال هشام الكلبي : من قال إنّ أمهما عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان بن
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن مختصر ابن منظور ٥ / ١٨٦ ومطبوعة ابن عساكر المجلدة العاشرة ص ١٢ وانظر الأغاني ١٥ / ٢٦٦ ومروج الذهب ٣ / ٢١.
(٢) بالأصل «الكتاب» والمثبت عن مختصر ابن منظور ومطبوعة المجلدة العاشرة.
(٣) في الكامل لابن الأثير ٢ / ٤٣١ مصلتا دون الجار.
(٤) بالأصل «منهم».
(٥) الضرع محركة الصغير من كل شيء ، والمدرة : زعيم القوم.