قال : فعاش أكثر من ذلك ، وكان له ملك بالشاغور (١) فاحتاج إلى ضمانه فضمّنه من بعض المصامدة ، فلم يوفه أجر ذلك المكان ، قال : فتحمل عليه بالرئيس أبي محمّد بن الصوفي ، فسأله فلم ينفع فيه سؤاله.
قال له أبو محمّد : إنه يشكوك إلى الأمير رزين الدولة ، فقال المصمودي : دعه يمر إلى الله عزوجل ، فقام أبو نصر بن طلّاب فقال : والله لا شكوته إلّا إلى الذي قال ، فتشبث به ابن الصوفي فلم يجبه ، قال : ثم دخلت الأتراك دمشق ومضت المصامدة ولم يمض ذلك المصمودي ، وقال : لا أدع ملكي وأمضي ، قال : فقبض على المصمودي فقيل لأبي نصر فقال : قد لقي ثم صودر وجرى عليه أمر عظيم ، فقيل لأبي نصر ، فقال : قد بقي له ثم ضربت عنقه قيل له ، فقال : هذا الذي كنت أنتظر له ، أو كما قال.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفرضي ، أنشدنا القاضي أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد ، أنشدنا الشيخ أبو نصر بن طلّاب لأمير المؤمنين علي :
إذا كنت تعلم أن الفراق |
|
فراق النفوس قريب قريب |
وأن المقدم ما لا يفوت |
|
على ما يفوت معيب معيب |
وأن المعدّ أداة الرحيل |
|
ليوم الرحيل مصيب مصيب |
وقلبك من موبقات الذنوب |
|
وما قد جنيت لبيب لبيب |
زاد الشيخ أبو نصر من قوله هذين البيتين :
أنت فمع ذاك لا ترعوي |
|
فأمرك عندي عجيب عجيب |
فأخلص لمولاك وأضرع إليه |
|
فمولاك رب قريب مجيب |
سمعت أبا الحسن بن المسلّم يقول : كان عبد العزيز يحثنا على السماع من أبي نصر بن طلّاب ، وذكر أبو القاسم علي بن إبراهيم أنه [سأل] أبا نصر بن طلاب عن مولده؟ فقال : في العشر الأخير من ذي الحجة سنة تسع وسبعين وثلاثمائة بصيدا ، وكذا وجدته أنا بخطه إلّا أنه لم يذكر العشر (٢) ولم يقل : بصيدا.
قال لنا أبو محمد هبة الله بن الأكفاني [مات](٣) سنة سبعين وأربعمائة ، ودفن
__________________
(١) إلى هنا الخبر في سير الأعلام ١٨ / ٣٧٥.
(٢) في سير الأعلام نقلا عن أبي القاسم النسيب : في آخر سنة تسع وسبعين وثلاثمائة بصيدا.
(٣) زيادة للإيضاح.