في لفظ ذلك الكل ، كما يسمّي التسعة مثلا : عشرة ، ثم يرجع إلى التحقيق فيخرج الواحد ، إزالة لوهم السامع ، ولا يجوز أن يطلق لفظ الكل إلا على ما يقرب من الكلية والتمام بأن يكون الناقص منه أقلّ من النصف ، وبعيد أن يطلق اسم الكل على نصفه ، وأبعد منه أن يطلق على أقل من نصفه ؛ وهذا الذي توهّموه ، مثل القول المذكور في تحقيق معنى الاستثناء ، وقد أبطلناه ، فليرجع إليه ، (١) ثم نقول (٢) : الغرض من ذكر المستثنى منه ، والمستثنى : بيان حكمين بأخصر لفظ ، كقولك : جاءني القوم إلا زيدا ، لو قلت : جاءني غير زيد لم يكن نصاّ على أنه لم يجئك غير زيد ، ولو قلت : لم يجئني زيد ، لم يدلّ على أنه جاءك غيره ، وأفدت بجاءني القوم إلا زيدا : الفائدتين ، وكذا في قولهم : لم يجئني القوم إلا زيدا ، على العكس ، وكذا تقول في العدد ، لو قال شخص : لي عليك عشرة ، فقلت : لك عليّ عشرة إلا درهمين ، كان نصّا في أنه ليس عليك زائد على الثمانية ، ولو قلت مكانه : لك عليّ ثمانية لم يكن نصا فيه ؛
فإذا كان في الاستثناء هذا الغرض ، وهو متصوّر في استثناء النصف والأكثر ، فلا منع منهما ؛ ونقول ، مع هذا كله ، انك لو قلت ابتداء بلا داع إلى تعيين العشرة : لك عليّ عشرة إلا خمسة ، أو إلا ستة لاستهجن بلا ريب ، أمّا لو كان جواب من قال : لي عليك عشرة ، أو حصل هناك داع آخر إلى تخصيص العشرة ، لم (٣) يستهجن وإن بقي واحد نحو قولك : عليّ عشرة إلّا تسعة ؛
ورابعها : (٤) أنه إذا اجتمع شيئان فصاعدا ، يصلحان لأن يستثنى منهما ، فإمّا أن يتغايرا معنى أو ، لا ؛ فإن تغايرا وأمكن اشتراكهما في ذلك الاستثناء بلا بعد ، اشتركا فيه ، نحو : ما برّ أب وابن إلا زيدا ، أي : زيد أب بار ، وابن بار ، وإن لم يمكن الاشتراك ، نحو : ما فضل ابن أبا إلا زيدا ، أو كان بعيدا نحو : ما ضرب أحد أحدا
__________________
(١) في أول باب المستثنى
(٢) تمهيد للوصول إلى جواز استثناء النصف ،
(٣) هذا جواب قوله : أمّا لو كان ، فحقه أن يقرن بالفاء ،
(٤) أي رابع الأمور التي في التكملة ،