على أنه روى الأخفش قول الشاعر :
٢٢٤ ـ رأيت الناس ما حاشا قريشا |
|
فانا نحن أفضلهم فعالا (١) |
وما حكى المازني من قول بعضهم : اللهم اغفر لي ولمن سمع دعائي حاشا الشيطان وابن الأصبغ (٢) ، بفتح (٣) الشيطان ، أي جانب الغفران الشيطان : شاذ (٤) عند سيبويه ، وزعم الفراء أنه فعل لا فاعل له ، والجر بعده بتقدير لام متعلقة به محذوفة لكثرة الاستعمال ؛ وهو بعيد ، لارتكاب محذورين : اثبات فعل بلا فاعل وهو غير موجود ، وجرّ بحرف جر مقدر وهو نادر ؛ وعند المبرد يكون تارة فعلا ، وتارة حرف جر ، وإذا وليته اللام ، نحو : حاشا لزيد ، تعيّن ، عنده ، فعليته ؛
هذا ما قيل ، والأولى أنه مع اللام : اسم ، لمجيئه معها متونا كقراءة أبي السّمال (٥) : «حاشا لله» (٦) ، فنقول : انه مصدر بمعنى : تنزيها لله ، كما قالوا في سبحان الله ، وهو بمعنى حاشا : سبحانا ، قال :
٢٢٥ ـ سبحانه ثم سبحانا نعوذ به |
|
وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد (٧) |
فيجوز ، على هذا ، أن نرتكب كون «حاشا» في جميع المواضع مصدرا بمعنى تبرئة وتنزيها ، وأمّا حذف التنوين في : حاشا لك ، فلاستنكارهم للتنوين فيما غلب عليه تجريده منه لأجل الاضافة ، وهذا كما قال بعضهم في قوله :
__________________
(١) نسبه العيني في الشواهد الكبرى للأخطل ونقل ذلك عنه شراح الشواهد ، وقال البغدادي في خزانة الأدب إنه فتش ديوان الأخطل مرتين فلم يجده فيه ، قال : ووجدت فيه أبياتا على هذا الوزن في هجاء جرير ، ويروى : فأما الناس .. وبذلك تكون الفاء في قوله فانا في جواب أمّا ،
(٢) بالغين المعجمة ويروى وأبا الأصبغ ،
(٣) أي بنصبه على أنه مفعول حاشا ،
(٤) خبر عن قوله : وما حكى المازني الخ
(٥) أبو السمّال ، بتشديد الميم ولام في آخره ، أحد أصحاب القراءات الشاذة ، واسمه : قعنب الأسدي ، وهو غير ابن السماك بالكاف في آخره ،
(٦) جزء من الآية ٥١ من سورة يوسف وستأتي ،
(٧) الجوديّ والجمد بفتح الجيم والميم جبلان ، والبيت لورقة بن نوفل ، قاله ضمن أبيات حين رأى كفار مكة يعذبون بلالا رضي الله عنه ،