تعالى : (مَكاناً سُوىً)(١) ؛ أي مستويا ، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه مع قطع النظر عن معنى الوصف ، أي معنى الاستواء الذي كان في «سوى» فصار «سوى» بمعنى : «مكانا» فقط ، ثم استعمل «سوى» استعمال لفظ مكان ، لمّا قام مقامه في افادة معنى البدل ، تقول أنت لي مكان عمرو ، أي بدله ، لأن البدل سادّ مسدّ المبدل منه وكائن مكانه ، ثم استعمل بمعنى البدل في الاستثناء ، لأنك إذا قلت جاءني القوم بدل زيد ، أفاد أن زيدا لم يأت ، فجّرد عن معنى البدلية أيضا ، لمطلق معنى الاستثناء ؛
فسوى ، في الأصل : مكان مستو ، ثم صار بمعنى مكان ، ثم بمعنى بدل ، ثم بمعنى الاستثناء ، ولا يجوز في «سوى» القطع عن المضاف إليه كما يجوز في «غير» على ما يجيئ ، والتزم بعضهم وجوب اضافته إلى المعارف ، فلا يجيز : جاءني القوم سوى رجل منهم طويل ، وهو الظاهر من كلامهم ؛ وعند البصريين ، هو لازم النصب على الظرفية لأنه ، في الأصل ، صفة ظرف ، والأولى في صفات الظروف إذا حذفت موصوفاتها : النصب ، فنصبه على كونه ظرفا في الأصل ، وإلّا فليس الآن فيه معنى الظرفية ؛ والدليل على ظرفيته في الأصل : وقوعة صلة ، بخلاف «غير» ، نحو : جاءني الذي سوى زيد ؛
وعند الكوفيين يجوز خروجها عن الظرفية ، والتصرف فيها رفعا ونصبا وجرّا ، كغير ، وذلك لخروجها عن معنى الظرفية إلى معنى الاستثناء ، قال :
٢٣٢ ـ ولم يبق سوى العدوا |
|
ن دنّاهم كما دانوا (٢) |
__________________
(١) من الآية ٥٨ سورة طه ،
(٢) من أبيات للفند الزمّاني ، مما قيل في حرب البسوس ، يقول فيها :
صفحنا عن بني ذهل |
|
وقلنا : القوم إخوان |
إلى أن يقول :
فلما صرّح الشرّ |
|
فأمسى وهو عريان |
ولم يبق سوى العدوان .. البيت ؛