عن الضمير قائم مقام المفسر المتقدم ، فالجبران ، في مثله في غاية الظهور ؛ وقريب منه : ضمير يبدل منه مفسّره نحو : مررت به زيد ، إذ لم يؤت بالبدل إلا للتفسير ؛
وأمّا في ضمير الشأن والقصة (١) ، فالجملة بعده ، وإن لم تأت كالتمييز المذكور لمجرد التفسير ، إلا أن قصدهم لتفخيم الشأن بذكره مجملا ثم مفصلا مع اتصال الخبر المفسّر بالمبتدأ ، سهّل الإتيان به مبهما فهذا التفسير دون الأول ؛
وأمّا تأخر المفسّر في باب التنازع نحو : ضربني وضربت زيدا ، على مذهب البصريين ، فالحق أنه بعيد ، لأنّ مجوّز تأخير المفسّر لفظا ومعنى : قصد تفخيم المفسّر مع الإتيان بالمفسّر لمجرد التفسير بلا فصل كما في نعم رجلا زيد ، أو قصد التفخيم مع اتصال المفسّر كما في ضمير الشأن ؛ والثلاثة في ضمير التنازع معدومة ، أعني قصد التفخيم والإتيان بالمفسّر لمجرد التفسير واتصاله بالضمير ؛ فضعف (٢) ، فمن ثمّ ، حذف الكسائي الفاعل في مثله ، مع أن فيه محذورا أيضا ؛
وما أجازه المبرد والأخفش من نحو : ضرب غلامه زيدا ، أعني اتصال ضمير المفعول المؤخر بالفاعل المقدم ، ليس بأضعف مما ارتكبه البصرية (٣) ، لأن الاتصال الذي بين الفاعل والمفعول إذا كانا لعامل واحد ، أكبر من الاتصال الذي بين الضمير ومفسّره على ما ذكره البصرية في باب التنازع ؛
قال المصنف : أردت بالتقدم الحكمي : أنك إذا قصدت الإبهام للتفخيم ، فتعقلت المفسّر في ذهنك ولم تصرح به للابهام على المخاطب ، وأعدت الضمير على ذلك المتعقّل ، فكأنه راجع إلى المذكور قبله ، فذلك المتعقّل في حكم المفسّر المتقدم ؛
ولا يتمّ ما ذكره في باب التنازع إذ لا يقصد هناك التفخيم ؛
__________________
(١) سيأتي الكلام عنهما. وأراد هنا بيان جبر ما فاته من تقدم مفسّره عليه : كما بين ذلك في المجرور برب ، وفاعل نعم وبئس الخ ؛
(٢) أي ضعف بسبب تأخير مفسّره من غير تعويض وجبر له ومن غير وجود أحد الأشياء الثلاثة المذكورة فيه ،
(٣) يعني في باب التنازع ، والمراد أنّ ما ذهب إليه الأخفش والمبرد أقوى مما ذهب إليه البصريون في باب التنازع ؛ وإن كان مذهبهما في ذاته ضعيفا ؛