الجملة ، فان التصديق لازم لحقية القرآن ، فصار كأنه هو ، وكذا المرحوميّة في الأغلب لازم للمسكنة ؛
واختلف في العامل في المؤكدة التي بعد الاسمية ، فقال سيبويه (١) : العامل مقدر بعد الجملة ، تقديره : زيد أبوك أحقّه عطوفا ، يقال : حققت الأمر أي تحققته وعرفته ، أي أتحققه وأثبته عطوفا ؛
وفيه نظر ، إذ لا معنى لقولك : تيقّنت الأب وعرفته في حال كونه عطوفا ، وإن أراد (٢) أن المعنى : أعلمه عطوفا ، فهو مفعول ثان لا حال ؛
وقال الزجاج (٣) : العامل هو الخبر ، لكونه مؤوّلا بمسمّى ، نحو : أنا حاتم سخيّا ؛ وليس بشيء ، لأنه لم يكن سخيّا وقت تسميته بحاتم ، ولا يقصد القائل بهذا اللفظ : هذا المعنى ، وأيضا ، لا يطرد ذلك في نحو : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً)(٤) و: (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً)(٥) وغير ذلك مما ليس الخبر فيه علما ؛
وقال ابن خروف (٦) : العامل المبتدأ ، لتضمنه معنى التنبيه ، نحو : أنا عمرو شجاعا ، وهو بعيد ، لأن عمل المضمر ، والعلم في نحو : أنا زيد ، وزيد أبوك ، ممّا لم يثبت نظيره في شيء من كلامهم ؛
والأولى عندي : ما ذهب إليه ابن مالك (٧) ، وهو أن العامل معنى الجملة ، كما قلنا في المصدر المؤكد لنفسه ، أو لغيره (٨) ، كأنه قال : يعطف عليك أبوك عطوفا ، ويرحم
__________________
(١) انظر سيبويه : ج ١ ص ١٩٢.
(٢) وإن أراد : أي سيبويه ،
(٣) الزجاج من متقدمي نحاة البصرة ، واسمه إبراهيم بن السري وتكرر دكره في هذا الشرح ،
(٤) الآية المتقدمة قريبا من سورة هود ،
(٥) الآية ٣١ سورة فاطر وتقدمت قريبا
(٦) ابن خروف هو أبو الحسن علي بن محمد الأشبيلي من مشاهير النحاة وتقدم له ذكر في الجزء الأول ،
(٧) الإمام جمال الدين بن مالك صاحب الألفية والتسهيل وغيرهما ، من معاصري الرضي ، ونقل الرضي عنه كثيرا ، وعبر في بعض المواضع بالمالكي ورجحنا أنه يريد ابن مالك بهذا ، والله اعلم ،
(٨) ص ٣٢٣ من الجزء الأول ،