التمييز ، فالمنصوب سبب لمن جرى عليه أفعل ، ومتعلقه نحو : زيد أحسن منك ثوبا ، ففي قولك : زيد أفره عبد : زيد هو العبد ، وفي قولك زيد أفره منك عبدا ، زيد هو مولى العبد ؛
اقول : ليس هذا بمطرد ، ألا ترى أنك تقول : هو أشجع الناس رجلا ، وهما خير الناس اثنين ، على ما أورده سيبويه ، أي : هو أشجع رجل في الناس ، وهما خير اثنين في الناس ، والمنصوب على التمييز ، هو من جرى عليه أفعل ، لا سببه ، والدليل على أنه تمييز : قولك هو أشجع الناس من رجل ، وهما خير الناس من اثنين ، كما تقول : حسبك بزيد رجلا ومن رجل ، قال الله تعالى : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً)(١) ، انتصب حافظا على التمييز ، أي خير من حافظ ، فهو والجر سواء ، نحو خير حافظ وخير حافظا ، فهو حافظ في الوجهين ؛ وقول الأعشى ؛
٢٠٨ ـ تقول ابنتي حين جدّ الرحيل |
|
أبرحت ربّا وأبرحت جارا (٢) |
أبرحت ، أي جئت بالبرح أو صرت ذا برح ، والبرح : الشدة ، فمعنى أبرحت صرت ذا شدة وكمال ، أي بلغت وكملت ربّا ، فهو نحو كفى زيد رجلا ، أي أبرح جار هو أنت ، وكذا قوله :
٢٠٩ ـ بانت لتحزننا عفارة |
|
يا جارتا ما أنت جاره (٣) |
لأن «ما» الاستفهامية تفيد التفخيم ، كما في قوله تعالى : (القارعه ، القارعه) (٤) ، أي كملت جارة فمعنى ما أنت : كملت ،
__________________
(١) الآية ٦٤ سورة يوسف.
(٢) من قصيدة للأعشى في مدح قيس بن معد يكرب الكندي ، ويروى البيت : أقول لها حين .. يقصد راحلته ثم يقول بعده :
فلا تشتكنّ إليّ السّفار |
|
وطول العنا واجعليه اصطبارا |
(٣) وهذا أيضا مطلع قصيدة للأعشى ، وقوله بانت بالنون من البين أو باتت بالتاء من قولهم بات يفعل كذا ؛
(٤) الآيتان الأولى والثانية من سورة القارعة