فأميلح : تصغير أملح ، وقد جاء ذلك كثيرا في الشعر وسعة الكلام.
قالوا : ولا يجوز أن يقال «إن فعل التعجب لزم طريقة واحدة ، وضارع الاسم ، فلحقه التصغير» لأنا نقول : هذا ينتقض بليس وعسى فإنهما لزما طريقة واحدة ، ومع هذا لا يجوز تصغيرهما ، وأبلغ من هذا النقض وأوكد مثال «أفعل به» في التعجب فإنه فعل لزم طريقة واحدة ، ومع هذا فإنه لا يجوز تصغيره.
ومنهم من تمسّك بأن قال : الدليل على أنه اسم أنه تصحّ عينه نحو «ما أقومه ، ولا أبيعه» كما تصح العين في الاسم في نحو «هذا أقوم منك ، وأبيع منك» ولو أنه فعل كما زعمتم لوجب أن تعلّ عينه بقلبها ألفا ، كما قلبت من الفعل في نحو : قام وباع وأقام وأباع في قولهم «أبعت الشيء» إذا عرّضته للبيع ، وإذا كان قد أجري مجرى الأسماء في التصحيح مع ما دخله من الجمود والتصغير وجب أن يكون اسما.
والذي يدلّ على أنه ليس بفعل وأنه ليس التقدير فيه : شيء أحسن زيدا قولهم «ما أعظم الله» ولو كان التقدير فيه ما زعمتم لوجب أن يكون التقدير : شيء أعظم الله ، والله تعالى عظيم لا بجعل جاعل ، وقال الشاعر :
[٧٩] ما أقدر الله أن يدني على شحط |
|
من داره الحزن ممّن داره صول |
______________________________________________________
مجيئها مصغرة في هذا البيت ، والبصريون لا يرتضون ذلك ، ويقولون إن تصغير «أملح» في هذا البيت شاذ ، ألا ترى هذا الشاعر قد صغر هؤلاء في نفس البيت مع أننا متفقون على أن التصغير من خصائص الأسماء المعربة ؛ فهذا وجه ، ومنهم من يسلك في الرد مسلكا آخر ، فيقول : إن صيغة التعجب لما أشبهت صيغة التفضيل في الوزن وكان فعل التعجب ـ مع ذلك ـ جامدا أعطوا فعل التعجب حكم اسم التفضيل ؛ فأجازوا تصغيره ، وقد ذكر ذلك ابن منظور في اللسان وابن هشام في المغني ـ قال ابن هشام في المغني ، «الثالث ـ مما أعطي حكم الشيء لمشابهته له لفظا ومعنى ـ نحو اسم التفضيل وأفعل في التعجب ؛ فإنهم منعوا التفضيل أن يرفع الظاهر لشبهه بأفعل في التعجب وزنا وأصلا وإفادة للمبالغة ، وأجازوا تصغير أفعل في التعجب لشبهه بأفعل التفضيل فيما ذكرنا ، وقال :
* يا ما أميلح غزلانا ...*
ولم يسمع ذلك إلا في أحسن وأملح ، ذكره الجوهري ، ولكن النحويين مع هذا قاسوه» اه.
[٧٩] هذا البيت من كلمة لحندج بن حندج المري يصف فيها طول ليله وما يقاسيه من فرقة أحبابه ، وهي من شعر حماسة أبي تمام (انظر شرح المرزقي ص ١٨٢٨) ، والبيت من شواهد الأشموني (رقم ٤١) والشحط ـ بفتح السين والحاء جميعا ـ هو البعد ، و «الحزن» بفتح الحاء وسكون الزاي ـ موضع بعينه ، وفي بلاد العرب موضعان بهذا الاسم : أحدهما : حزن بني يربوع ، والثاني : ما بين زبالة فما فوق ذلك مصعدا في بلاد نجد ، وصول :