ولو كان الأمر كما زعمتم لوجب أن يكون التقدير فيه : شيء أقدر الله ، والله تعالى قادر لا بجعل جاعل.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدّليل على أنه فعل أنه إذا وصل بياء الضمير دخلت عليه نون الوقاية ، نحو «ما أحسنني عندك ، وما أظرفني في عينك ، وما أعلمني في ظنك» ونون الوقاية إنما تدخل على الفعل لا على الاسم ، ألا ترى أنك تقول في الفعل «أرشدني ، وأسعدني ، وأبعدني» ولا تقول في الاسم «مرشدني» ولا «مسعدني» فأما قوله :
[٨٠] * وليس حاملني إلّا ابن حمّال*
______________________________________________________
مدينة من بلاد الخزر في نواحي باب الأبواب ، والاستشهاد به هنا في قوله «ما أقدر الله» فإن بعض الكوفيين زعم أن مثل هذه العبارة تدل على أن أفعل في التعجب ليس فعلا ؛ إذ لو كان فعلا لكان فيه ضمير مستتر يكون هو فاعله ، ويكون لفظ الجلالة منصوبا بهذا الفعل ، فيكون المعنى : شيء أقدر (هو ، أي ذلك الشيء) الله تعالى ، أي جعله قادرا وقد قام الدليل العقلي والنقلي على أن الله تعالى قادر من غير جعل جاعل ؛ فيكون هذا المعنى باطلا ، وإنما أدى إلى هذا المعنى الباطل ذهابكم إلى أن أفعل في باب التعجب فعل ، فوجب ألا نصير إليه.
[٨٠] هذا عجز بيت من البسيط ، وصدره قوله :
* ألا فتى من بني ذبيان يحملني*
وقد استشهد بهذا البيت رضي الدين في شرح الكافية ، في باب الإضافة ، وفي باب المضمرات ، وشرحه البغدادي في خزانة الأدب (٢ / ١٨٥ بولاق) وأنشده أبو العباس المبرد في الكامل ثالث خمسة أبيات ، وقال قبل إنشادها «أنشدنا أبو محلم السعدي». و «ألا» في أول البيت حرف دال على العرض ، و «فتى» منصوب بفعل محذوف ، والتقدير : ألا ترونني فتى ، و «بني ذبيان» أراد بني ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر ، و «يحملني» أراد يعطيني دابة تحملني إلى المكان الذي أقصده ، و «حمال» صيغة مبالغة لحامل. ومحل الاستشهاد بهذا البيت قوله : «حاملني» حيث لحقت نون الوقاية الاسم عند إضافته إلى ياء المتكلم ، وذلك شاذ ، والقياس أن يقترن الاسم بياء المتكلم من غير توسط النون بينهما ، سواء أكان هذا الاسم جامدا نحو : غلامي وكتابي وداري ، أم كان مشتقا نحو : حاملي وضاربي ومكتوبي ومضروبي وما أشبه ذلك ؛ لأن النون إنما توسطت بين الفعل وياء المتكلم لأن ياء المتكلم تستوجب كسر ما قبلها ، ولما كان الفعل لا يدخله الجر ، وكان الكسر أخا الجر ؛ تحاموا أن يقرنوا الفعل بياء المتكلم ؛ لئلا ينكسر آخره فيدخلوا عليه ما ليس منه في شيء ، لكن الجر يدخل على الأسماء بغير نكير ، فلم يجدوا أنفسهم محتاجين إلى نون الوقاية معه حين يضيفونه إلى ياء المتكلم ، هذا ، والرواية عند أبي العباس المبرد «وليس يحملني ...» وعلى ذلك يكون البيت مستقيما لا شذوذ فيه ؛ لأن نون الوقاية حينئذ متوسطة بين الفعل والياء كما هو الأصل.