فمن الشّاذ الذي لا يلتفت إليه ولا يقاس عليه ، وإنما دخلت هذه النون على [٥٩] الفعل لتقي آخره من الكسر ؛ لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلا مكسورا ، وإذا كانوا قد منعوه من كسرة الإعراب لثقلها وهي غير لازمة فلأن يمنعوه من كسرة البناء وهي لازمة كان ذلك من طريق الأولى ، فلما منعوه من الكسر أدخلوا هذه النون لتكون الكسرة عليها ؛ فلو لم يكن أفعل في التعجب فعلا وإلا لما دخلت عليه نون الوقاية كدخولها على سائر الأفعال.
اعترضوا على هذا بأن قالوا : نون الوقاية قد دخلت على الاسم في نحو «قدني وقطني» أي حسبي ، قال الشاعر :
[٨١] امتلأ الحوض وقال : قطني |
|
مهلا ، رويدا ، قد ملأت بطني |
ولا يدلّ ذلك على الفعلية ، فكذلك هاهنا.
وما اعترضوا فيه ليس بصحيح ؛ لأن «قدني ، وقطني» من الشّاذ الذي لا يعرج عليه ؛ فهو في الشذوذ بمنزلة مني وعني ، وإنما حسن دخول هذه النون على قد وقط لأنك تقول «قدك من كذا ، وقطك من كذا» أي اكتف به ، فتأمر بهما كما تأمر بالفعل ؛ فلذلك حسن دخول هذه النون عليهما ، على أنهم قالوا «قطي وقدي» من غير نون كما قالوا «قطني وقدني» بالنون ، قال الشاعر :
[٨٢] قدني من نصر الخبيبين قدي |
|
ليس الإمام بالشّحيح الملحد |
______________________________________________________
[٨١] هذان بيتان من الرجز المشطور ، ولم أجد أحدا نسبهما إلى قائل معين ، وقد استشهد به ابن منظور وشارح القاموس (ق ط ط) ، ومن النحاة : الأشموني (رقم ٦٣) وابن الناظم ، وابن يعيش (ص ٣١٨ و ٤٤٣). وقوله «امتلأ الحوض وقال» أطلق القول ههنا على ما يشهد به الحال وتدل عليه الطبيعة ، و «قطني» هو اسم بمعنى حسب ، أو اسم فعل بمعنى يكفي ، و «مهلا» هو مصدر نائب عن الفعل ، تقول : مهلا يا رجل ، ومهلا يا رجلان ، ومهلا يا رجال ، وتقول في التأنيث كذلك ، بلفظ واحد ، والمراد أمهل وتريث ولا تعجل و «رويدا» يأتي على واحد من أربعة أوجه : الأول : أن يكون اسم فعل بمعنى أرود ، أي أمهل ، والثاني : أن يكون مصدرا نائبا عن فعله كالذي قلناه في مهلا ، والثالث : أن يقع صفة كما تقول : ساروا سيرا رويدا ، والرابع : أن يقع حالا كما تقول : ساروا رويدا بحذف المصدر الذي نصبته على المفعولية المطلقة في الاستعمال الثالث. ومحل الاستشهاد بالبيت ههنا قوله «قطني» حيث وصل نون الوقاية بقط عند ما أراد أن يضيفه إلى ياء المتكلم وليس «قط» فعلا ؛ فيدل ذلك على أن نون الوقاية قد تلحق بعض الأسماء لغرض من الأغراض ، والغرض ههنا المحافظة على سكون «قط» حتى لا يذهب ما بني عليه اللفظ وهو السكون ، وإذا كان الأمر كذلك لم يكن لحاق نون الوقاية لكلمة من الكلمات دالا على أن هذه الكلمة فعل ، وهذا ظاهر إن شاء الله.
[٨٢] هذان بيتان من الرجز المشطور ، وقد رواهما الجوهري في الصحاح (ل ح د) ونسبهما