اعترضوا على هذا من وجهين ؛ أحدهما : أنهم قالوا : ما احتججتم به من فتح آخره ليس فيه حجة ؛ لأن التعجب أصله الاستفهام ، ففتحوا آخر أفعل في التعجب ونصبوا زيدا فرقا بين الاستفهام والتعجب. والثاني : أنهم قالوا : إنما فتح آخر أفعل في التعجب لأنه مبني لتضمنه معنى حرف التعجب ؛ لأن التعجب كان يجب أن يكون له حرف كغيره من الاستفهام والشرط والنفي والنهي والتّمني والتّرجي والتّعريف والنّداء والعطف والتّشبيه والاستثناء ، إلى غير ذلك ، إلا أنهم لما لم ينطقوا بحرف التّعجّب وضمّنوا معناه هذا الكلام استحقّ البناء ، ونظير هذا أسماء الإشارة ؛ فإنها بنيت لتضمنها معنى حرف الإشارة ، وإن لم ينطق به فكذلك هاهنا.
وما اعترضوا به ليس بصحيح : أما قولهم «إن التّعجّب أصله الاستفهام ففتحوا آخر أفعل في التعجب للفرق بين الاستفهام والتعجب» فمجرد دعوى لا يقوم عليها دليل ، إلا بوحي وتنزيل ، وليس ذلك سبيل ، مع أنه ظاهر الفساد والتعليل ؛ لأن التفريق بين المعاني لا توجب إزالة الإعراب عن وجهه في موضع ما ، فكذلك هاهنا ولأن التعجب إخبار يحتمل الصدق والكذب ، [٦٢] والاستفهام استخبار لا يحتمل الصدق والكذب ؛ فلا يصح أن يكون أصلا له.
وأما قولهم «إنه بني لتضمنه معنى حرف التعجب وإن لم ينطق به» ؛ فكذلك نقول : كان يجب أن يوضع له حرف كما وضع لغيره من المعاني ، ولكن لما لم يفعلوا ذلك ضمّنوا «ما» معنى حرفه فبنوها ، كما ضمنوا «ما» الاستفهامية معنى الهمزة ، وضمّنوا «ما» الشرطية معنى إن التي وضعت للشرط ، وبنوهما وإن لم يكن للكلمة التي بعدهما تعلق بالبناء ؛ فكذلك ما بعد «ما» التعجبية لا يكون له تعلق بالبناء ، فبان بذلك فساد اعتراضهم ، وأنه إنما فتح لأنه فعل ماض على ما بيّنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «الدليل على أنه اسم أنه لا يتصرف» قلنا : عدم تصرفه لا يدل على أنه اسم ؛ فإنا أجمعنا على أن «ليس ، وعسى» فعلان ، ومع هذا فإنهما لا يتصرفان ، وإنما لم يتصرف فعل التعجب لوجهين ؛ أحدهما : أنهم لما لم يضعوا للتعجب حرفا يدل عليه جعلوا له صيغة لا تختلف ؛ لتكون أمارة للمعنى الذي أرادوه ، وأنه مضمن معنى ليس في أصله ، والثاني ـ وهو الصحيح ـ إنما لم يتصرف لأن المضارع يحتمل زمانين الحال والاستقبال ، والتعجب إنما يكون مما هو موجود مشاهد ، وقد يتعجب من الماضي ، ولا يكون التعجب مما لم يكن ، فكرهوا أن يستعملوا لفظا يحتمل الاستقبال ؛ لئلا يصير اليقين شكا ، وأما قولهم «ما أملح ما يخرج هذا الغلام ، وما أطول ما يكون هذا» فلا يقال ذلك حتى يرى فيه مخيلة ذلك ، فدلّك ما رأيت في