فقد روي «الشّعرى رقابا» حكى ذلك سيبويه عن أبي الخطاب عن بعض العرب أنهم ينشدون البيت كذلك ، على أنا وإن لم ننكر صحة ما رويتموه ، فلا حجة لكم فيه ؛ لأنه من باب «الحسن الوجه ، والحسان الوجوه» وقد قالوا «الحسن الوجه» بنصب الوجه تشبيها بالضارب الرجل ، كما قالوا «الضارب الرجل» بالجر تشبيها ب «الحسن الوجه» وقد ذهب بعض البصريين إلى زيادة الألف واللام فيه ، فلما كان في تقدير التنكير جاز نصبه على التمييز ، فبان أن ما عارضتم به ليس بشيء.
وأما قول النابغة :
* أجبّ الظّهر ليس له سنام* [٨٤]
بفتحهما قد روي «أجبّ الظّهر» بجرهما ، وروي «أجبّ الظّهر» برفع الظهر لأنه فاعل والتقدير فيه عندنا : أجبّ الظهر منه ، وعندكم الألف واللام قامتا مقام الضمير العائد ؛ فلا حجة لكم في هذا البيت ، والجرّ فيهما هو القياس ، وإن صحت رواية النصب ؛ فيكون على التشبيه بالمفعول على ما بيّنا في البيت الأول ، لا على تقدير زيادة الألف واللام ونصبه على التمييز على ما ذهبتم إليه ، ولئن سلمنا على قول بعض البصريين ، وهو الجواب عن جميع ما احتججتم به ؛ لأنكم إذا قدرتم أن الألف واللام فيه زائدة فهو عندكم نكرة ، فإذن ما عمل [٦١] في معرفة ، وإنما عمل في نكرة ، والخلاف ما وقع في أنّ «أفعل» تعمل في النكرة ، وإنما وقع الخلاف في أنها تعمل في المعرفة.
وأما قول الآخر :
* على أدهم أجشّ الصّهيلا* [٨٥]
فالوجه جرّ «الصهيلا» إلا أنه نصبه على التشبيه بالمفعول ، أو على زيادة الألف واللام على ما قدّمنا.
ثم لو سلمنا لكم صحة ما ادّعيتموه في هذه الأبيات ، وأجريناها في ذلك مجرى «ما أحسن الرجل» فهل يمكنكم أن توجدونا أفعل وصفا نصب اسما مضمرا أو علما أو اسما من أسماء الإشارة؟ وإذا لم يمكن ذلك ووجدنا أفعل في التعجب تعمل في جميع أنواع المعارف النّصب دلّ على بطلان ما ذهبتم إليه من دعوى الإسمية.
ومنهم من تمسّك بأن قال : الدّليل على أنه فعل ماض أنّا وجدناه مفتوح الآخر ، ولو لا أنه فعل ماض لم يكن لبنائه على الفتح وجه ؛ لأنه لو كان اسما لارتفع لكونه خبرا ل «ما» على كلا المذهبين ، فلما لزم الفتح آخره دل على أنه فعل ماض.