فنصب الظّهر بأجبّ ، وقال الآخر :
[٨٥] ولقد أغتدي وما صقع |
|
الدّيك على أدهم أجشّ الصّهيلا |
فنصب الصّهيل بأجشّ ، فبطل ما ادّعيتموه.
وما اعترضوا به ليس بصحيح : أما بيت الحارث بن ظالم :
* ولا بفزارة الشّعر الرّقابا* [٨٣]
______________________________________________________
عيش» ذناب كل شيء ـ بكسر الذال المعجمة ـ عقبة وما يأتي في أواخره ، و «أجب الظهر» مقطوع الظهر كأنه جمل قد قطع سنامه ، ويقال : بعير أجب ، وناقة جباء ؛ إذا كان قد قطع سنامهما. والاستشهاد بالبيت في قوله «أجبّ الظهر» وهذه العبارة تروى على ثلاثة أوجه : برفع الظهر ، وتخريج هذه الرواية أن تجعل الظهر فاعلا لأجبّ ، وبنصب الظهر ، وتخريج هذه الرواية أن تجعل فاعل الصفة التي هي أجبّ ضميرا مستترا وتنصب الظهر على أنه مشبه بالمفعول به ، وهذه الرواية هي محل الخلاف بين الكوفيين والبصريين ، ويجرّ الظهر ، وتخريج هذه الرواية أن يكون أجب مضافا والظهر مضافا إليه. والوجه الأول : قبيح ، والثاني : ضعيف ، والثالث : حسن.
[٨٥] لم أعثر على نسبة هذا البيت إلى قائل معين ، وقوله «أغتدي» معناه أخرج في وقت الغداة ، والغداة ـ بفتح الغين ـ ما بين انبثاق الفجر وطلوع الشمس ، ويقال «غدية» بوزن قضية ، و «غدوة» بضم فسكون ، وربما قيل «غدية» بضم الغين وفتح الدال ، وهو تصغير الغدوة أو الغداة ، ومراد الشاعر أنه يخرج من داره مبكرا ، وقوله «وما صقع الديك» معناه صاح ، وهذا تأكيد لما استفيد من معنى «أغتدي» وقوله «على أدهم» أراد على فرس أدهم ، وهو الذي لونه الدهمة ، والدهمة ـ بضم الدال وسكون الهاء ـ لون قريب من الأسود ، و «أجش» الغليظ الصوت من الإنسان والخيل ، وقال النجاشي :
ونجى ابن حرب سابح ذو علالة |
|
أجش هزيم ، والرماح دواني |
ومحل الاستشهاد بالبيت قوله «أجش الصهيلا» حيث نصب الصهيل بقوله أجش ، وأجش هذا صفة مشبهة ، ومعمولها مقترن بالألف واللام ، وبه استدل الكوفيون على أنه يجوز أن ينتصب بعد «أفعل» كل من المعرفة والنكرة ، وقد سوى المؤلف في التمثيل والاستشهاد بين أفعل الذي هو اسم تفضيل وأفعل الذي هو صفة مشبهة ؛ فهو يمثل أولا بقوله «زيد أكبر منك سنا ، وأكثر منك علما» ثم يستشهد بأجب الظهر ، والشعر الرقابا ، وأجش الصهيلا ، ثم يلزم الكوفيين الحجة بأن المنصوب في هذه الشواهد منصوب على التشبيه بالمفعول به ، لا على التمييز ، وكأنه ينكر أن يكون التمييز مقترنا بأل ، وقد ورد التمييز مقترنا بأل من غير أن يكون العامل أفعل التفضيل ولا أفعل الصفة المشبهة ، وذلك في قول الشاعر :
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا |
|
صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو |
ولكن البصريين لم يرقهم أن يجيء هذا البيت ونحوه على غير ما أصلوا من القواعد ، فذهبوا إلى أن «ال» في «طبت النفس» زائدة ، وليست معرفة ؛ فيكون على ما ذهبوا إليه مدخول أل نكرة كالمجرد منها ، وهذا هو المسلك الذي سلكوه في هذه الشواهد.