قوله (هُوَ) ضمير للبخل وإن لم يكن مذكورا ؛ لدلالة (يَبْخَلُونَ) عليه ، ومنه قولهم «من كذب كان شرا له» أي كان الكذب شرا له ، ومنه قول الشاعر :
[٨٧] إذا نهي السّفيه جرى إليه |
|
وخالف ، والسّفيه إلى خلاف |
يريد جرى إلى السّفه ، وهذا كثير في كلامهم ؛ فكما أنه يجوز أن يعود الضمير إلى المصدر وإن لم يجر له ذكر استغناء بذكر فعله ، فكذلك يجوز أن يتوجّه التصغير اللاحق لفظ الفعل إلى مصدره وإن لم يجر له ذكر ، ونظير هذا إضافتهم أسماء الزمان إلى الفعل نحو قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩] وإن كانت الإضافة إلى الأفعال غير جائزة ، وإنما جاز ذلك لأن المقصود بالإضافة إلى الفعل مصدره من حيث كان ذكر الفعل يقوم مقام ذكر مصدره ؛ فالتقدير فيه : هذا يوم نفع الصادقين صدقهم ، وإنما خصّوا أسماء الزمان (١) بهذه الإضافة لما بين
______________________________________________________
[٨٧] هذا البيت من الشواهد التي لم أقف لها على نسبة إلى قائل معين ، وقد أنشده رضي الدين في شرح الكافية (٢ / ٤) وذكر البغدادي في الخزانة (٢ / ٣٨٤) أن جماعة من النحاة أنشدوه منهم ابن جني في إعراب الحماسة والفراء في معاني القرآن وثعلب في أماليه ، ولم يعزه واحد منهم ، وزجر ـ بالبناء للمجهول ـ ويروى «إذا نهي السفيه» ومتعلق الزجر أو النهي عام ، والتقدير : إذا زجر عن شيء ما ، أو إذا نهي عن شيء ما ، والسفيه : وصف من السفه ، وهو الطيش والحمق ورقة العقل ، وجرى : سارع ، ومفعول «خالف» محذوف للعلم به ، وتقدير الكلام : خالف زاجره أو خالف ناهيه ، وجملة «والسفيه إلى خلاف» للتذييل ، والمعنى : ومن شأن السفيه وديدنه وطبعه مخالفة ناصحه. والاستشهاد بالبيت في قوله «جرى إليه» فإن مرجع الضمير المجرور محلا بإلى لم يتقدم صريحا في الكلام ، ولكن تقدم الوصف الدال عليه وهو قوله «السفيه» فإن هذه الكلمة دالة على الذات والحدث الذي تتصف به وهو السفه ، فاكتفى الشاعر بتقدم المرجع في ضمن الوصف ، ونظيره قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) فإن «هو» في هذه الآية راجع إلى البخل المستفاد من «يبخلون» ولم يتقدم ذكر البخل صراحة ، وقوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) فإن «هو» راجع إلى العدل ، ولم يتقدم ذكر العدل صراحة ولكنه تقدم في ضمن قوله (اعْدِلُوا) لأن الفعل يدل على الحدث والزمان كما هو معلوم ، ونظيرهما قوله جلت كلمته : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ، فَزادَهُمْ إِيماناً) فإن فاعل «زادهم» ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى قول الناس ولم يتقدم صراحة ، وإنما تقدم في ضمن الفعل الذي هو قوله (قالَ لَهُمُ النَّاسُ) ونظير ذلك أيضا قوله تباركت أسماؤه : (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) أي يرض الشكر ، ولم يتقدم ذكر الشكر صراحة ، ولكنه تقدم في ضمن قوله سبحانه (وَإِنْ تَشْكُرُوا).
__________________
(١) أضيف بعض أسماء المكان أيضا إلى الجملة الفعلية ، ومنه قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ) رسالاته.