الزمان والفعل من المناسبة ، من حيث اتفقا في كونهما عرضين ، وأن الزمان حركات الفلك كما أن الفعل حركة الفاعل ، وكما أن هذه الإضافة لفظية ، فكذلك التصغير اللاحق فعل التعجب لفظيّ ؛ وكما أن هذه الإضافة لا اعتداد [٦٤] بها ، فكذلك هذا التصغير لا اعتداد به.
والوجه الثاني : إنما دخله التصغير حملا على باب أفعل الذي للمفاضلة ؛ لاشتراك اللفظين في التفضيل والمبالغة ، ألا ترى أنك تقول «ما أحسن زيدا» لمن بلغ الغاية في الحسن ، كما تقول «زيد أحسن القوم» فتجمع بينه وبينهم في أصل الحسن وتفضّله عليهم ؛ فلوجود هذه المشابهة بينهما جاز «ما أحيسن زيدا ، وما أميلح غزلانا» كما تقول : «غلمانك أحيسن الغلمان ، وغزلانك أميلح الغزلان» ولهذه المشابهة حملوا «أفعل منك» و «هو أفعل القوم» على قولهم «ما أفعله» فجاز فيهما ما جاز فيه ، وامتنع منهما ما امتنع منه ، ألا ترى أنك لا تقول «هو أعرج منك» ولا «أعرج القوم» لأنك لا تقول «ما أعرجه» وتقول «هو أقبح عرجا منك» و «هو أقبح القوم عرجا» كما تقول «ما أقبح عرجه» وكذلك لا تقول «هو أحسن منك حسنا» فتؤكده بذكر المصدر ؛ لأنك لا تقول «ما أحسن زيدا حسنا» فأما قولهم «ألجّ لجاجة من الخنفساء» وما أشبهه فمنصوب على التمييز.
والوجه الثالث : إنما دخله التصغير لأنه ألزم طريقة واحدة ، فأشبه بذلك الأسماء ، فدخله بعض أحكامها ، وحمل الشيء على الشيء في بعض أحكامه لا يخرجه عن أصله ، ألا ترى أنّ اسم الفاعل محمول على الفعل في العمل ، ولم يخرج بذلك عن كونه اسما ، وكذلك الفعل المضارع محمول على الاسم في الإعراب ، ولم يخرج بذلك عن كونه فعلا ؛ فكذلك تصغيرهم فعل التعجب تشبيها بالاسم لا يخرجه عن كونه فعلا.
وأما ما ذكروه من «ليس ، وعسى» فالكلام عليه من أربعة أوجه :
أحدها : أن «ليس ، وعسى» وإن كانا قد أشبها فعل التعجب في سلب التصرف فإنهما قد فارقاه من وجهين ؛ أحدهما : أنهما يرفعان الظاهر والمضمر ، كما ترفعهما الأفعال المتصرفة ، فبعدا عن شبه الاسم ، وأفعل في التعجب إنما يرفع المضمر دون الظاهر ، فقرب من الاسم الجامد ؛ فلهذا دخله التصغير دونهما.
والثاني : أنّ «ليس ، وعسى» وصلا بضمائر المتكلمين والمخاطبين والغائبين ، نحو : لست ولستم وليسوا ، وعسيت وعسيتم وعسوا ، كما تتصل بالأفعال المتصرفة ، وأفعل في التعجب ألزم ضمير الغيبة لا غير ، فلما تصرف ليس وعسى